جدلية الثورة والثروة ..
لقد كانت كل الثورات في العالم ناتجة عن الظلم والقهر وانتهاك حقوق الانسان المادية والمعـنوية بسبب النهج الذي تتـبعه السلطة الحاكمة ضد المحكومين في ظل السيطرة المطلقة للفرد أو الحزب ، وبسبب اختلال التوازن بين فئات المجتمع حيث تختفي العدالة بين الناس وتسود العلاقات الظالمة والاستغلال .. ولهذا فان قيام الثورة في أي مجتمع يكون تعــبيـرا صادقا عن حدة الصراع بين قوى متباينة في المجتمع تـتـنافس حول السيطرة على الثروة الوطـنية التي تعمد أطراف مهيمنة على سلبها وتوظيف الجزء الأكبر منها لخدمة مصالحها الفئوية الضيقة ، مستخدمة نفس الوسيلة التي توفـر لها الغطاء والحماية للبقاء في أعلى هرم السلطة متمثـلة في المنظومة التشريعـية والقانونية السائدة .. في حين تحاول الأغـلبـية الساحقة المحـرومة منها ، استرجاعها لتكون في خدمة التـقـدّم لجميع أفـراد المجتمع ، حيث لا قيمة للحديث عن الحرية والكرامة وحقوق الإنسان في ظل واقع البطالة والتهميش كما نعـيشه اليوم ..
ولهذا أيضا فان العمل الثوري بعد نجاحه في إسقاط السلطة المستبدّة في تونس يُـفـتـرض أن يتجه جزءا هاما منه نحو محاصرة الفاسدين الذين تلاعـبـوا بالثروة ، ومحاسبتهم وعـزلهم عن العمل السياسي ، سعـيا لتغـييـر كل المنظومة السائدة حيث لا يكفي القضاء على سلطة الأفراد دون تغـييـر جذري للعلاقات التي امتدت على غير قاعدة سليمة طوال الحقـبة السابقة .. كما يفترض أن يتجه العمل الثوري مباشرة لاسترداد الثروة الوطنية المسلوبة ، حيث لا إمكانية للخروج من الأزمات بدون السيطـرة التامة على ثروات الوطن بالعمل على مراجعة العقود الدولية والاتفاقـيات التي أبرم بعضها منذ عهد الحماية .. فهل يعقل بعد كل التضحيات التي حدثت منذ 17 ديسمبـر الى الآن تفـويض السّماسرة ووكلاء الاستعمار بحراسة المنجـز الثوري وتـنـمـية الثـروة وتوزيعها .. ؟!!
( نشرية القدس العدد 121 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق