في ذكرى الاستقلال : دروس وعـبـر...
قال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : " لا يُلدغ المؤمن
من جحر مرّتين " .
لقد كان
الصراع مع المستعـمر الفرنسي طوال فـتـرة الاستعمار يتـّسم بالعـناد والتـعـنّـت
من جانب فـرنسا ، والصبـر والـتـصميــم والتضحـية من رجال تونس الشرفاء الذين حملوا قضيتهم جيلا وراء جيل ، حتى مطلع
الخمسينات ، فعـرفوا ان قضية تونس ليست معـزولة عـن قضية الجزائر والمغـرب لذلك
ربط زعماء المغـرب العـربي بـيـن هذه المسارات وانشأوا لهم مكتبا يمثلهم في القاهـرة ، التي اصبحـت بفضل ثورة 23 يوليو
قـلعة متـقدمة للنضال العـربي وسندا معـنويا وماديا لتلك الثورات الصاعدة .. ورغم
قلة الامكانيات الا ان رجال تونس تمكـّنوا من تكوين مجموعات مقاتلة خاضت العديد من
المعارك المشهورة مثل معـركة جـبل اشكل في ماي 1953
ومعـركة جـبل عـرباطة في جويلية 1954 ومعـركة جـبل برقو في نوفمبر 1954 لتــُـجـبر
فرنسا على التفاوض وتسلـّم بمبدأ الاستـقـلال الداخلي سنة 1954، ثم التوقـيع عليها في شهـر جوان سنة
1955 ..
والواقع فان
استقلال تونس لم يكـن نتيجة المناورة السياسية التي كان يخوضها بورقـيبة مع فرنسا
، بل كان نتـيجة الضـربات القـوية للمقاومة
في تونس والمغـرب العـربي عـموما ، اذ سرعان ما انطلقت الثورة الجزائرية في
غـرة نوفمبر 1954 ، الى جانب المقاومة الصاعدة في الارياف المغـربية منذ العشرينات
بقيادة عبد الكريم الخطابي حتى الاستقلال
سنة 1956 .. ولعل الخلاف بين رجال
المقاومة بقيادة صالح بـن يوسف وجناح المساومة بقيادة بورقيبة منذ سنة 1954 ،
اكبـر دليل على فضل الثوار في تغـييـر النتائج الحاصلة بعد اصرارهم على مواصلة
الكفاح المسلح الذي جعل فرنسا تغـيّـر موقـفها وتقـبل صاغـرة بالامضاء على وثيقة
الاستقلال التام بدل الاستقلال الداخلي .. الذي كان في نظر الثوار خيانة لدماء
الشهداء ، لانه يـُـبقي تونس تحت النفوذ والحماية والرقابة الفرنسية بكل ما تعـنيه
من معاني ، لتـكون بذلك قادرة على التدخل المباشر في جميع المجالات الحيوية والقرارات
والخيارات السياسية والعلاقات الخارجية وكل ما يهم تنظيم الدولة وهياكلها التي تبقى
خاضعة للنفوذ الاستعماري .. فضلا عن خيانة
الاشقاء ..
هكذا فهم
ثوار تونس الحقيقيين مفهوم الاستقلال الداخلي فرفضوه وطالبوا بالاستقلال التام والجلاء
عـن ارض الوطن دون قـيد او شرط .. لذلك التحقوا بالجبال للمقاومة وفـرضوا على جميع
الاطراف القبول بتحقيق مطالبهم المشروعة ،
فـتغـيـر مضمون بروتكول وثيقة الاستقلال سنة 1956 ..
غـير ان استقلال تونس بقدر ما كان حدثا مهما ، وتاريخـيا بالنسبة لعامة
الشعـب الذي دفع اثمانا باهضة من حياة ابنائه لاجلاء المستعـمـر وقدّم آلاف الشهداء
ثمنا للحرية ورفع الجهل والحرمان والتنكيل ، فانه لم يكن بالنسبة للكثيرين بافضل
حال .. وقد وجدوا العقاب الجماعي والمحاكمات والاعدامات .. كما وجد آخـرون ممن صنعـوا
الاستقلال بدماء ابنائهم ، التهميش والحيف الاجتماعي ، في حين تعرّض الجميع الى
التفريط في هويتهم العربية الاسلامية ، وفرض التبعـية على مجتمعهم .. فضلا عـن
الاستبداد .. وقد كان ذلك كله يُمارس عـليهم زورا باسم الشرعـية التاريخية والشرعـية
النضالية ، لتـُخطف منهم ثورتهم وتاريخهم ومستقبلهم على حد السواء .. وهوما بتـنا
نخشى تكراره اليوم بسرقة ثورة خلنا ان فيها خلاصنا بعد تلك الحقبة السوداء .. واذا
بواقعنا اكثر سوءا ، و أمننا أكثر تهديدا وشبابنا أكثرا عدوانا على عـروبتهم
يهدمون ما بناه أجدادنا على مدى قرون ، ونحن أكثر خضوعا وتبعـية .. لا ، بل أكثر
غـباء حتى صرنا ننفـّذ مخططات الاعداء
بالوكالة ، فـنحسبها شهامة وفداء .. فاين نحن من الثورات .. وما مقدار الايمان في
قلوبنا اذا كنا نُلدغ من نفس الحجر مرّتين ..؟ ( القدس ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق