بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 25 مارس 2013

دين الحرية ..

دين الحرية

ان المتامّل في عمق المدلول الوارد  في الاسلام عـن الحرية يقـتـنع بلا شك بعـظمة هذا الدين ، سواء  في الجوانب المتعلقة  بحرية الفرد ، أو بالجوانب الشمولية المتعـلقة بحرية المجتمع  .. وبالخصوص  في ما يربط بين الجانبين .. فاذا كان الانسان الفرد لا يوجد قطعا الا في مجتمع ، فان كل المقاصد و الاوامر و النواهي الواردة في الاسلام تصبح بمثابة التراتيب الضروية لضمان سلامة العلاقة بيـن الافراد و الجماعات كما تقـتضيه المصلحة العامة ، لا كما تقضيه مصلحة كل واحد بمعـزل عـن الآخـر، أو دون اعـتبار لوجوده ، حـتى و ان كان مستقلاّ عـنه  كما يتبادر للبعض ..
ولعلّ اكبر مدلول للحرية في الاسلام هو حرية الاعـتقاد   لذلك فان الانسان الذي منحه الله حرية الاختيار في أكبر مسألة أهمية مثل المعتقد فان ما دون ذلك يكون أولى بتلك الحرية .. يقول تعالى مخاطبا رسوله الكريم صلى الله عـليه و سلم  في سورة الزمر : ( قُـلِ اللَّهُمَّ فَاطِـرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَـيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْـكُمُ بَيْنَ عِـبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فـِيهِ يَخْتَـلِفُونَ / 46) و قال تعالى في سورة  يونس : (وَلـَوْ شَاءَ رَبُّـكَ لآمَـنَ مَـنْ فِـي الأَرْضِ كُـلُّهُمْ جَـمِـيعاً أَفَـأَنْـتَ تُـكْــرِهُ النَّاسَ حَـتَّى يَكُـونُـوا مُؤْمِنِين / 99) . و قوله تعالى في سورة الأنعام : ﴿ وَلَوْ شَآءَ اللّهُ مَآ أَشْـرَكُـواْ وَمَا جَعَـلـْنَاكَ عَـلَيْهِمْ حَـفـِيـظاً وَمَآ أَنـتَ عَـلَيْهِم بِوَكِـيلٍ / 107 ) ....
ثم ان  رسالة التكليف بالنسبة للمؤمنين هي الامر بالمعـروف و النـّهي عـن المنكر . قال تعالى : ( كُـنْـتُـمْ خَـيـْرَ أُمَّةٍ أُخْـرِجَتْ لِلـنَّاسِ تَأْمُـرُونَ بِالْمَعْـرُوفِ وَتَـنْهَـوْنَ عَـنِ الْمُنـكَـرِ وَتُـؤْمِـنُـونَ بِاللَّهِ / آل عـمران 110 ) . و هي رسالة مفـتوحة وباقـية طالما ان هناك بشر خطــّـاؤون ،  وطالما ان باب التوبة مفتوح للمخطئين ، ولكن بالوسائل و الطـرق التي أمـر بها الله رسوله الكريم . قال تعالى : فَذَكِّـرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّـرٌ لَسْتَ عَـلَـيْهِمْ بِمُسَيْطِـر / الغاشية 21 – 22 )  كما قال : ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ / النحل 125  ) . و عليه فان ما نهى الله  عـنه رسوله ، أولى بان يكون مَـنْهيٌّـا عـنه عامة الناس ، فلا حجّة لاحد على احد الا الامر بالمعـروف  و النهي عـن المنكـر .. هذا في الاطار الخاص بسلوك الفرد و حريته الشخصية ..  اما في الاطار العام المتعلـّـق بالمجتمع فان كل ما يتعارض مع مصلحة المجموعة حرام في نظر الاسلام حفاضا على وحدة المجتمع و سلامته من كل الآفات و الاضرار المادية و المعـنوية .. فلا حرية لاحد في تناول مواد تذهـب عـقـله و رشده ، وتكون سببا  في التعدّي على الآخرين .. و لا حرية لاحد في ان يسـرق متاع غـيره ، و لا حرية لمواطن في الاعـتداء على شرف الغير ، و لا حرية لانسان في استغلال انسان آخـر مهما كان مغفـّـلا او ضعـيفا ، و على الدولة ان تحميه ان كان كذلك  .. و هو ما ينفي حيادية الدولة تجاه من يوصفون بالغفلة او بالغباء في القيم الوضعـية الليبرالية خاصة . قال تعالى : ( وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيـْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُـدْلُـواْ بِهَا إِلَى الْحُـكَّامِ لِتَـأْكُـلُواْ فَـرِيـقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنـتُمْ تَعْـلَمُـونَ / (188 .. و لا حرية لاحد في الاعتداء على كرامة الانسان حـتى في الحالات التي يُفرض فـيها القتال . قال تعالى : ( وَقَاتِـلُوا فِي سَـبِـيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِـلُونَـكُمْ وَلا تَعْـتَـدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْـتَدِينَ  . البقـرة / 190 ) .و قال صلى الله عـليه و سلم : " الْمُسْلِمُ أَخُـو الْمُسْلِمِ  لا يَظْـلِمُهُ وَ لا يَخْـذُلُهُ وَلا يَحْقِـرُهُ " و قال ايضا : " كلّ الْمُسْلِمِ عَـلَى الْمُسْلِمِ حَـرَامٌ  دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِـرْضُهُ  " الخ ... و كل ذلك يُعـرف في الشريعة بالحدود قال تعالى :  ( تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْـتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ  / البقرة 229 ) .  
هكذا جاء مبدا  التحريم في الاسلام ضامنا لسلامة الفرد و المجموعة ، وجاعلا للانسان روحا انسانية سامية لا مادة ضعـيفة تتحكم فـيها الغـرائـز و الاهواء .. قال تعالى : ( وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبـَاتِ وَيُحَـرِّمُ عَـلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ / الاعراف 157) .. وهو مبدا ثابت في العــديد من الآيات القرآنية المحكمة والاحاديث النـبـوية الشريفـة .. التي تؤكـّد في مجـملها على ان الاوامـر  والنواهي ، و الحلال و الحرام ، و الحدود في الاسلام تمُــثّـل في واقع الامر تعـزيزا للحرية و صيانة لها و ليس العكس ..   و صدق عمر بن الخطاب عـندما قال مؤكدا هذا المبدأ : " متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم امهاتهم احرارا ؟ "... 
والله أعلم . 
( القدس ) . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق