بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 21 مارس 2016

القدس عدد 220 .

تحميل العدد 220 .

      



كلمة القدس :

نهضة الاسلام في نهضة المسلمين ..

على المسلمين الغيورين على دينهم أن يفكروا ـ أولا وقبل كل شئ  ـ في مصلحة المسلمين .. فالاسلام  دين الله الذي نزل على عبده المصطفى من البشرية جمعاء ، الذي خصّه بالرسالة والتكليف .. وهذا الاختيار بالتأكيد يحمل في طياته تكريما للرسول صلى الله عليه وسلم ، ولقومه ولغته التي جعل منها لغة يتلى بها القرآن في كل زمان ومكان ، فارتبط جوهر الدين بالفاظها ومعانيها .. كما ارتبط مصير الاسلام منذ بدايته بمصير هؤلاء القوم الذين حفظوا آياته ، وحملوا رايته ، ودافعوا عنه بارواحهم حتى اشتد عوده وصار منتشرا في ربوع الأرض .. وهكذا نرى ان مصلحة الاسلام منذ ذلك الوقت ، أصبحت مرتبطة الى أبعد الحدود بمصير المسلمين الأوائل  .. فلا قوة حقيقية للاسلام الا بقوتهم ، ولا مناعة ، ولا تقدم ولا نهوض للمسلمين جميعا الا بنهوض الامة التي نزل عليها التكليف .. فالاسلام لا يبلغ قوته الا بمسلمين اقوياء .. والمسلمون ـ مهما كان تقدمهم العلمي والصناعي والمعرفي ، ومهما كانت نهضتهم الاقتصادية ـ لا يستطيعون النهوض بالاسلام  بعيدا عن دياره ، وبمعزل عن لغته الأم التي نزل بها الوحي .. فلا نهوض اذن  للاسلام  دون نهضة عربية شاملة تنعكس على جميع نواحي الحياة ، الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية ، والدينية أيضا سواء في الفقه أو في قراءة التاريخ والتراث العربي الاسلامي  .. أي لا نهضة دون تغيير يشمل البنى الفكرية داخل العقل العربي عموما ، فيحرّره من جميع الارهاصات التي تعرض لها على مدى قرون طويلة حولته من الابداع الحر الى التعصب والخرافة ..  
فهل هذا ممكن ..؟؟ 
في الواقع الحي ، أمامنا تجارب الشعوب التي عانت من التخلف الشئ الكثير  ، ثم نهضت حينما آمنت بقدراتها وامكانياتها .. وأمامنا سنن الحياة التي تحكم حركة الظواهر ، وترتبط فيها النتائج المطلوبة بتحقيق شروطها المسبقة ، وفي نظرة الاسلام نفسه لهذه النواحي نجد تأكيده الصريح على أن التغيير والنهوض في الواقع ، لا يتم تلقائيا ، بل يحتاج ـ أولا وقبل كل شئ ـ الى وعي وتصميم وارادة وتخطيط مسبق من الانسان نفسه ، وعمل على توفير الشروط  اللازمة للنجاح المطلوب ، فقال تعالى : " لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " ..
وهكذا نتعلم أن لا نهضة دون تحرير للانسان من الاستبداد .. ودون تحرير له من الاستغلال .. ولا نهضة شاملة دون تغيير اجتماعي في جميع المجالات ذات الصلة بالامن والصحة والتعليم .. ولا نهضة اجتماعية دون بناء حياة ديمقراطية سليمة تحرّر الناس من التبعية والخوف .. فلا نهضة اذن ، للاسلم في مجتمع متخلف ، أي بمعنى أشمل ، لا نهضة للاسلام دون نهضة بالمسلمين ..

( القدس ) .


* من أحب الله رأى كل شئ جميل ..                                       
* لا يقدر على دفع ضريبة الدم غير الذين يقدرون شرف الحياة . ( جمال عبد الناصر ) .
* الماضي ـ بالنسبة لأي انسان ـ مادي جامد ، غير متوقف عليه وغير قابل للالغاء . ( د.عصمت سيف الدولة ).

                                                                   ***

                                      أبيات بها حرف عاطل (دون نقط ) وحرف معجم



أبيات تقرأ طردا وعكسا وذلك من غرائب الشعر :


اليوم بورقيبة .. وغداً تمجّدون بن علي .. !!
د.سالم لبيض .

أن يرتمي يساريون وليبراليون وحقوقيون في أحضان البورقيبية اللاحقة، سواء في نسختها البنعلية ، أو بعد سقوط نظام بن علي سنة 2011، ويلبسون ثوب بورقيبة الأيديولوجي، ويتدثّرون به بديلاً عن مرجعياتهم الفكرية التي لم تعد توفّر لهم الدفء والاطمئنان والثقة في بضاعتهم الأيديولوجية، والقطع مع تاريخهم الاحتجاجي والنضالي، فذلك أمر بات معلوماً في تاريخ الأفكار السياسية التونسية والعربية المعاصرة، وفي تجربة تنظيمات وقيادات كثيرة احتفت بها سجون الحكم البورقيبي ومعتقلاته ومنافيه . أما أن ينحو رموز الحركة الإسلامو- سياسية التونسية ، وفي مقدمتهم رئيس حزب حركة النهضة، راشد الغنوشي، وأمينها العام علي لعريض، النهج نفسه، فذلك يستوجب المجادلة والمحاجّة، لأنه يمثّل طفرة سياسية ، وتحولاً نوعياً في المواقف، غير مسبوق بأي تراكم فكري ومعرفي .
صرّح الغنوشي ، على هامش المؤتمر الجهوي لحزبه يوم 12 مارس / آذار الجاري في مدينة المنستير، مسقط رأس الحبيب بورقيبة ومرقده الأخير، " يكفي المنستير فخرا أنها أنجبت أبرز قائد للحركة الوطنية ، وأول رئيس للجمهورية التونسية ". وهذا الكلام الذي بات يردّده إسلاميون راديكاليون، كان قد مهّد له رئيس الحركة بحديث مشابه في ذكرى وفاة بورقيبة ، ".. رجل قاد الحركة الوطنية، ووصل بالبلاد إلى الاستقلال، وبنى الدولة التونسية، وفي ذكرى وفاته لا نملك إلا الترحم عليه " . 
سُئل الغنوشي، عند وفاة بورقيبة في سنة 2000 عن موقفه من الرجل، فأجاب بجملة مكثّفة دالّة، في تعليق له بثته آنذاك قناة الجزيرة، جاء فيه "بورقيبة لا يستحق الرحمة، ولا يجوز الترحم عليه". وكان ذلك الموقف منسجما مع ما نُشّئ عليه الإسلاميون أربعة عقود متتالية من أن بورقيبة كان علمانياً، وهو العدو الأول للإسلام، حتى أنهم كانوا يرفعون شعاراً مركزياً في مظاهراتهم وتظاهراتهم السياسية التي نظّموها في الشوارع والفضاء العام، إبّان حكم بورقيبة هو التالي " لا إله إلا الله بورقيبة عدو الله " ، وكذلك كانوا ينعتونه بالصنم، ويصفون نظامه بالطاغوتي العميل .
لا يمكن فهم هذا الانزياح الجذري في موقف أحد أكبر فصائل الإسلام السياسي التونسي من بورقيبة ، وتجربته في السياسة والحكم، ضمن نتائج الحركية العلمية، ودراستها التاريخية للحركة الوطنية التونسية، والدولة المعاصرة، فذلك أمر لا يزال محل جدال وتدوين ومآخذ وتصحيح وكشف وتدقيق لتلك المرحلة التي استمرّت ما يزيد عن القرن بين 1881 و1987.
 كما لا يمكن تبرير هذا التحول العميق في المقاربة الإسلامو-سياسية للحقبة البورقيبية بالاعتماد على نتائج العدالة الانتقالية، وأعمال هيئة الحقيقة والكرامة التي تظلّم لديها آلاف الناس من ظلم الحكم البورقيبي ومآسيه ...  فالملفات المشحونة بالحقائق التاريخية لم تنطق بمضامينها وخفاياها بعد ، وأرشيفات البوليس السياسي لم يقع الكشف عمّا تضمنته من وقائع وأحداث، يخشاها كثيرون لبشاعتها، على الرغم من مرور عشرات السنين على وقوعها، والنتائج النهائية للحقيقة والكرامة لم تصدر في تقرير نهائي، ينصف من يستحق الإنصاف، ويدين من تستوجب إدانته . 
ويتساءل كثيرون من أنصار الإسلاميين التونسيين، ومن قاعدتهم العريضة التي أمنت لهم النصر في انتخابات 2011 و2014 ، عن جدوى مبادئهم وأفكارهم وتضحياتهم وعذابات عائلاتهم وسجونهم ومعتقلاتهم ومحاكماتهم وتعذيبهم في السجون البورقيبية، وأحكام الإعدام والأشغال الشاقة التي أقُرّت في حق قيادات لهم . ويسألون تلك القيادات عن الرأسمال الرمزي السياسي والتاريخي الذي بنوه، ومآله، ومدى مصداقيته، وهم يبشّرون أتباعهم بيوم النصر الموعود، وتدشين المرحلة التي ستعرف التطبيق الفعلي لمشروعهم النهضوي- الإسلامي بديلا عن المشروعين الدستوري - البورقيبي والدستوري- التجمعي لبنعلي . 
يدرك النابهون والفطينون في حركة الإسلام السياسي التونسي أن مقدّمات انزياح حركتهم عن مشروعها الأصلي بدت علاماتها الأولى منذ تحالف رئيس حركتهم مع سليل البورقيبية وآخر ممثليها، الباجي قائد السبسي ، في اجتماع باريس المعروف بلقاء الشيخين الذي رتّب تفاصيل المشهد السياسي التونسي، قبل أن تسنده الشرعية الانتخابية التي أفرزتها انتخابات سنة 2014 التشريعية والرئاسية . فالاعتراف بالسبسي، وإسقاط "النهضة" قانون تحصين الثورة في المجلس الوطني التأسيسي، ما مكّنه من الترشح، والتصويت له في الانتخابات الرئاسية بديلا عن المنصف المرزوقي الحليف القديم، والاتفاق معه في توزيع المسؤوليات في البرلمان والدخول معه في الائتلاف الحكومي برئاسة الحبيب الصيد، يمثل ذلك كله المقدّمات المسكوت عنها في اعتراف "النهضة" بالبورقيبية ومصالحتها والاعتراف برموزها وتمجيدهم .  وبهذا الموقف ، تلتحق حركة النهضة الإسلامية وقياديوها بجميع القوى السياسية اليسارية والتجمعية والشخصيات العامة التي أعلنت دخولها بيت الطاعة  البورقيبي، بعد نهاية حكم بن علي، وهي كثيرة ، فهذه القوى لم تكن تمتلك الشجاعة السياسية لإعلان انتمائها للبورقيبية ، أو حتى أن تقول كلمة إنصاف في حق الرجل ، لمّا كان ضعيفاً وخاضعاً للإقامة الجبرية في المنستير ثلاث عشرة سنة ، استغاث في أثنائها ببن علي والطبقة السياسية والقضاء التونسي لكي يتمكن من زيارة قبر والدته ، لكنه حُرم من ذلك . ولم يتجرأ أحدٌ، آنذاك ، على إثارة مسألة احتجازه، باستثناء المرحوم جورج عدّه، المنتمي إلى الحزب الشيوعي التونسي الذي أرسل رسالة إلى بن علي، يطالبه بتحرير أكبر سجين سياسي في العالم ، ومحمد الصياح مدير الحزب الاشتراكي الدستوري السابق وأحد وزراء بورقيبة الذي دوّن رسالةً ، طالب فيها بن علي بأن يأذن بوضع حدّ لعزلة سلفه الرئيس بورقيبة. 
لا أحد كان بورقيبياً طوال حكم بن علي الذي استمرّ نحو ربع قرن، وحده عبد الجليل التميمي، صاحب مؤسسة بحثية مستقلّة تحمل اسمه، نظم مؤتمرات علمية حول الحبيب بورقيبة وتجربته السياسية، ونشرها في مؤلفاتٍ تعرضت لعراقيل عدّة ومحاصرة ومصادرة . وحضر تلك المؤتمرات كثيرون من وزراء بورقيبة، ومنهم الرئيس الحالي، الباجي قائد السبسي، لكنهم لم يمتلكوا الجرأة والشجاعة، لكي يدافعوا عن تلك التجربة أو يتبنّوها . وأفضلهم كان يقرأها قراءة نقدية ، على غرار وزير الثقافة الأسبق البشير بن سلامة ، بل لقد بلغ نكران البورقيبيين القدامى حدّ التخلف عن حضور جنازته، أو نعيه في الصحافة .
 نال رئيس حركة النهضة في موقفه الممجّد لبورقيبة والبورقيبية ثقة رجال بورقيبة ، وبعض الجمعيات الحاملة للواء البورقيبية التي انبعثت في زمن الرخاء الثوري، واصفة إياه بأنه أصبح بورقيبيا بامتياز . لكنه في مقابل ذلك ، وعلى أنقاضه ، يتنكّر للمظلومين اليوسفيين الذين ذبحهم رجال بورقيبة ومليشيات حزبه في مجازر وقبور جماعية، لم يعرف تاريخ تونس المعاصر نظيراً لها ، وذلك قبل اغتيال الزعيم الوطني ، صالح بن يوسف، بتخطيط من بورقيبة ، مع التبني العلني لتلك التصفية السياسية، وعلى خلفية الاختلاف معه حول حقيقة استقلال تونس ، والاتفاقيات الموقعة في الغرض، وهو نفسه صالح بن يوسف الذي كانت صوره تؤثث اجتماعات حركة النهضة الخطابية والانتخابية وتستثمر سياسيا . 
كان تمجيد بورقيبة والبورقيبية ضرباً من الخيال في الثقافة الإسلامو-سياسية التونسية، لكنه تحولّ إلى حقيقة ملموسة ، من دون مراجعات وتفسير وإقناع ، وغداً ، أو بعد غد ، ستجد حركة النهضة الإسلامية نفسها، وفق هذا التمشي، تمجّد بن علي ونظامه، فما يقال عن الرجل وفساد سلطته وبطانته واستبداده ووصمه بالمخلوع اليوم ، قيل عن بورقيبة الذي وُصم ، هو أيضاً بالصنم ، وحكمه سنة 1987 لحظة إسقاطه عن طريق انقلاب طبي ، كما وصفه المؤرخ مصطفى كريم ، أيدته أغلب مكونات الطبقة السياسية التونسية ، آنذاك ، وانبرت مدافعة عن تولي عسكري حكم تونس . وإن تماثيل بورقيبة "الصنم"، وفق التعبير الإسلامو- سياسي التي تعاد إلى أمكنتها القديمة ، على مرأى ومسمع من حركة النهضة "الحاكمة" اليوم، ستماثلها غداً عودة إلى صور بنعلي التي أزيحت سنة 2011 في لحظة ثورية متميّزة، لكننا لا نعرف هل سيكون الإسلام السياسي التونسي في هرم الحكم، كما الحال الآن، أم في دهاليزه .. ؟ 

على عهد العروبة

المفدي زكريا .


سل الفصحى وقل للضاد رفقا 
                   لسان الحال افصح منك نطقا
وخل الشعر فالايام شعر 
                   قصائدها على الاجيال تلقى
وته ياقلب فالاكوان نشوى 
                   وذب في كاسها نجوى وعشقا
وسر في المغرب العربي لحنا 
                   وفي قيثارة الاعياد عرقا
ودع مراكش الحمرا تغني 
                   خلاصا من معذبها وعتقا
وفي استقلالها تتلو كتابا 
                   به جاء المليك هدى وحقا
تنزل عابقا بدم الضحايا 
                   وجاء بيانه نورا وصدقا
به قلب العروبة مستقل 
                   الى وطن العروبة ذاب شوقا
فدام على عروبته وفيا 
                   يراعى عهدها خلقا وخلقا
وولى وجهه للشرق لما 
                   تطلع يبتغي للعز افقا
فلم ينس العروبة وهو حر 
                   وما نسي العروبة وهو يشقى
بلاد المغرب العربي شرق 
                   وكانت قبلة العربي شرقا
فحيوا في بني بغداد شعبا 
                   زكا في الخالدين وطاب عرقا
وحيوا مصر موطن كل حر 
                   وحيوا في اماجدها دمشقا
رسول الشرق قل للشرق انا 
                   على عهد العروبة سوف نبقى
واما بالجزائر انكرونا 
                   سنخرق وصمة الاجماع خرقا
وثبنا كالكواسر واتخذنا 
                   الى استقلالناالارواح طرقا
فلا نخشى العذاب ولا نبالي 
                   اذا وجب الفدا سجنا وشنقا
اذا ما الرزق صار حليف ذل 
                   مضينا نبتغي في الموت رزقا
رسول الشرق قل للشرق انا 
                   نسام الخسف الوانا ونسقى
وان الشامتين بنا ابادوا 
                   اعز ديارنا نسفا ومحقا
وانا في الجزائر خير شعب 
                   عروبته مدى الاجيال وثقى
وان الوحدة الكبرى اذا ما 
                   تحررت الجزائر سوف تبقى




تجربة الوحدة الألمانية في العصر الحديث
درس التاريخ والمستقبل .. (6) .
                                   د.صفوت حاتم .
قصة سور برلين :
17   اذا كانت باريس هي حقا مدينة النور .. ولندن هي مدينة الضباب .. فلابد أن برلين هي مدينة الكوميديا السوداء ..
فألمانيا التي كانت قد  توحدت تحت راية " الرايخ الألماني " .. كانت قد ألقت بنفسها في  أحضان  " هتلر " عام 1936  وسلمت نفسها طواعية لمغامراته العسكرية التي بدأت في التعثر بعد النجاحات المبهرة والخاطفة .. ومع المراحل النهائية للحرب .. وبالتحديد في عام 1944 .. كان " هتلر " يحاول بقواته الإنتحارية محاولات يائسة ومستميتة لإعاقة تقدم قوات الجنرال الأمريكي " إيزنهاور " وقوات القائد البريطاني " مونتجمري " التي كانت تتجه بسرعة صوب " برلين " .. بينما كان على الناحية الشرقية للمدينة طلائع الجيش الأحمر السوفييتي  بقيادة الجنرال " زكوف " التي تمكنت من الوصول أولا  !!
وكان الحلفاء قد إتفقوا .. مقدما قبل دخولهم ألمانيا – على تقسيمها وتقسيم عاصمتها برلين الى أربعة اقسام  ..
لكن السوفيت .. الذين كانوا قد وصلوا أولا.. قرروا الحصول على القسم الشرقي من برلين لأنفسهم  بعد أن خاضوا معركة شرسة .. وهكذا آل الجزء الغربي من " ألمانيا " الى حماية وسيطرة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا .. ووضعت بها قواعد عسكرية أمريكية .. وسارت دولة ألمانيا الغربية على طريق الراسمالية الغربية .. بينما إتجهت ألمانيا الشرقية الى طريق الشيوعية  .
وفي ألمانيا الشرقية تم تفكيك مئات الأطنان من آلات المصانع ونقلت هذه الآلات والأجهزة والمعدات الى مصانع الإتحاد السوفيتي .. ولأن إقتصاد ألمانيا الشرقية كان يسير نحو الحضيض .. بالإضافة  الى إعدام الحريات السياسية .. وهكذا تزايدت المعارضة للنظام السياسي  ..
وبينما كانت ألمانيا الغربية تعيد بناء نفسها .. كانت ألمانيا الشرقية تسير نحو الهاوية ..  فقد أنفقت معظم مواردها وثرواتها على دعم جهاز " الاستازي " .. أي البوليس السري .. لمراقبة وقمع الشعب الألماني .. وكان لابد من إنتفاضة الشعب الألماني  ..
وفي 17 يونية 1952 تفجرت إنتفاضة شعبية كبرى .. وخرجت المظاهرات في شوارع برلين الشرقية .. لكن الإتحاد السوفييتي سارع بقمع الإنتفاضة وإستخدام كل أنواع القمع البشع ..
وهكذا لم يجد المتمردون والرافضون للنظام سوى سبيل واحد .. الهرب الى برلين الغربية .. ومنها الى ألمانيا الغربية ..
في ذلك الوقت .. تزايدت أعداد الفارين من ألمانيا الشرقية الى ألمانيا الغربية .. وتردد أن " خروتشوف " زعيم الإتحاد السوفييتي .. تقدم بطلب لضم برلين الغربية الى برلين الشرقية .. وفصلها نهائيا عن ألمانيا الغربية ..
وعندما سمع الناس بذلك .. تزايدت أعداد الفارين والهاربين ..
بناء سور برلين .. الخطة إكس :
18   وهكذا أصدر " إريك هونيكر " ذراع المستشار " أولبريخت " .. اوامره بإقامة السور .. وهي الخطة التي كانت موضوعة أصلا تحت الإسم الكودي " إكس "   ..
وفي عام 1961  اثارت الدعايات الهيسترية التي كانت تطلقها حكومة ألمانيا الشرقية مشاعر الناس وهلعهم .. وزادت أعداد الفارين .. وكان هؤلاء يتم تجميعهم بعد فرارهم في معسكرات أعدت خصيصا للأجئين في برلين الغربية ..
وقامت السلطات في برلين الشرقية بالقبض على أعداد كبيرة من الناس بتهمة " العمالة " للغرب وصدرت ضدهم أحكام بالسجن تتراوح ما بين عشر سنوات  الى السجن مدى الحياة  ..
واستيقظ سكان برلين الشرقية صباح يوم 13 أغسطس 1961 ليجدوا القوات المسلحة تحاصر مدينتهم .. وأن سور برلين قد بدأ العمل في بنائه ..
كان الأمر أكبر من أن يصدقه عقل  !!
وفي الناحية الأخرى .. في برلين الغربية .. تظاهر عشرات من الألمان الغربيين أمام بوابة " براندنبيرج " الشهيرة .. يعترضون على إقامة هذا السور الللا معقول .. وويرفعون لافتات تصرخ : " هناك ألمانيا واحدة فقط " و " ستظل ألمانيا واحدة لكل الألمان «  ..
وهكذا اصبح اللامعقول  واقعا .. فقد اصبح شارع واحد يمثل الحدود بين برلين الشرقية وبرلين الغربية .. في البداية .. كان مجرد اسلاك شائكة .. ولكن بعد ايام قليلة تم غستبدالها بالحائط .. وفي نهاية سبتمبر 1961 كان طول سور برلين ثلاثة كيلو مترات .. كانت الحرب الباردة تنتظر الجميع .. فقد انقسم العالم الى قسمين .. وانقسمت ألمانيا أي شطرين .. وظهر سور برلين كاضخم حائط اسمنتي .. أمامه سور طويل من الأسلاك الشائكة .. وخلفه سور أطول من الدبابات والكشافات الجاهزة  ..وكانت كوميديا سوداء بالفعل  ..
فلقد تم هدم معظم البيوت الملاصقة للحدود لإتاحة الفرصة لرؤية أكثر وضوحا لجنود نقط الحراسة والمراقبة بإطلاق النار على الهاربين .. وكان على السكان إخلاء منازلهم فورا بمجرد صدور الأوامر ودون إخطار مسبق    
ولكن كل ذلك لم يكن أقوى من رغبة الانسان في الحرية .. فلم يكن هناك ما يمنع أي ألماني بسيط من أن يعرض حياته للخطر لمجرد أن يحصل على حريته .. وحدث هذا أكثر من مرة .. وفي هذا حدث قصص كثيرة في منتهى الإثارة  
19   في البداية كانت محاولات هروب الألمان الشرقيين عبر السور سهلة نسبيا .. فعلى سبيل المثال في شارع " برناور " لم يكن هناك سوى رصيف واحد .. كان في استطاعة الكثيرين منهم الهروب عبره الى برلين الغربية .. كان يكفي الواحد منهم أن يقفز من نافذة بيته ليصبح في برلين الغربية  !!
لكن سلطات برلين الشرقية لم تكن تسمح بأن يستمر ذلك .. فسرعان ما أمرت بوضع اسلاك شائكة على كل النوافذ في بيوت هذا الشارع .. بل تعدى الأمر ذلك .. فقد تم إغلاق هذه النوافذ بالأحجار .. كان الألمان على جانبي السور يحاولون الإتصال ببعضهم البعض بأن يرفعوا ايديهم ليحيوا بعضهم بعض .. ولكن هذا أيضا .. أصاب سلطات الأمن في برلين الشرقية بالجنون  !!
وحتى يمنعوا " التحية المتبادلة " بالأيدي بين الألمان وبعضهم البعض .. تم بناء عازل من الخشب المرتفع في معظم الأماكن ..
 كما تم وضع اسلاك شائكة وممكهربة في مياه الأنهار والبحيرات .. وعندما حاول أحد الألمان الشرقيين التسلل الى برلين الغربية قام الجنود بقتله ... وبعد ذلك بعام تم بناء 130 برج للمراقبة لإصطياد الهاربين الذي يحلمون بالحرية  ..
وفعلت سلطات برلين الشرقية كل ما يمكن فعله للفصل بين سكان المانيا الشرقية والمانيا الغربية ,, وقد وصل هذا الى حد مثير للسخرية  ..  
مثلا .. كان هناك بيت في برلين الشرقية شاء سوء حظ أصحابه .. أن البيت يقع في منتصفه تام على نفس خط السور .. وجاءت الأوامر الغليظة بأن يقسم السور البيت الى نصفين .. نصف في برلين الشرقية .. ونصف في برلين الغربية  !!    
لقد فعلت سلطات برلين الشرقية كل ما يمكن فعله من أجل بناء السور .. حتى لو أدى الأمر الى هدم الكنائس .. وهو ما حدث فعلا ..   ففي أوائل عام 1975 .. أقدمت سلطات ألمانيا الشرقية على نسف كنيسة " الكفارة " البروتستناتية .. وهي الكنيسة التي كان اسمها يشتق من آلام السيد المسيح وموته تكفيرا عن خطايا البشر .. وهي الكنيسة التي كان قد تم بناؤها في عام 1894  ..!!   
 ولكن سلطات برلين الشرقية قامت بنسف هذه الكنيسة حتى يمكن بناء السور ولم يكن السور عاديا .. فبعد خمس سنوات فقط من بناءه .. بلغ عدد ابراج المراقبة 210 .. لقد بدأ في 13 اغسطس بالأسلاك الشائكة .. التي تم استبدالها فيما بعد بحائط من الصاج المقوى .. ثم بعض القوالب الأسمنتية ..  لكن لأن هذا النوع من الحواجز لم يكن مقاوما لصدمات السيارات ولا الهجوم بالقنابل .. فقد استبدلوه بألواح اسمنتية ..

وفي سنة 1964 تم انشاء 102 حظيرة لكلاب الحراسة التي كان في استطاعتها ان تجري لمسافة مائة متر وهي مربوطة في سلاسلها .. وقد تم تدريب هذه الكلاب على مهاجمة كل شيئ بشراسة .. !!  وهكذا بلغ أجمالي طول سور برلين 25 كيلو مترا
                                                       جدار برلين
                                                                                                              يتبع ...


نحو نزعة إنسانية إسلامية  (2) .
  د.صبري محمد خليل .

مذاهب النزعة الانسانيه الغربية : وكما سبق ذكره  فقد تعددت  مذاهب النزعة الانسانيه الغربية ، ومن أهم هذه المذاهب : 

المذهب الليبرالي  :  الليبرالية كفلسفة  ومنهج  تستند إلي فكره القانون الطبيعي ،  وهى فكرة  ذات جذور في الفلسفة اليونانية ” كا لسفسطا ئيه ،  والـرواقية  ..” ،  و مضمونها “ أن مصلحه المجتمع ككل تتحقق حتما من خلال عمل كل فرد فيه على تحقيق مصلحته الخاصة ” ، وطبقا لها فان النزعة الانسانيه الليبرالية تركز على  الإنسان الفرد ، وتتجاهل ـ أو تقلل من قيمه  ـ  الجماعة . أما على المستوى المذهبي  ” الايديولوجى ” فان النزعة الانسانيه  الليبرالية  تتكون من  أربعه مكونات أساسيه هي : 

أولا : العلمانية القائمة على فصل الدين عن الدولة في مجال الدين ، وترجع جذورها إلى الديانة المسيحية .  

ثانيا : الديموقراطيه الليبرالية  القائمه على  إسناد السلطة  والسيادة  للشعب ، وترجع جذورها إلى الفلسفة السياسية اليونانية . 

ثالثا : الرأسماليه القائمة على مفهوم الملكية الخاصة وليس الملكية الفردية ” اى حق التصرف المطلق في المال “ وترجع جذورها إلى القانون الروماني . 

رابعا : الفردية ألقائمه على أن الوجود الفردي سابق على الوجود الجماعى وغير متوقف عليه ، وقد ساهمت النزعة الانسانيه الليبرالية في  تمرّد الأوربيين على سادتهم  وإسقاطهم  وصايا الكنيسة وامتيازات الملوك والنبلاء وأمراء الإقطاع ، وأدى تحطيم هذه القيود إلي قهر الطبيعة بالعلم والثورة الصناعية وإرساء قواعد حضارة الرخاء   المادي ( الحضارة الغربية المعاصرة ) .    

تقويم :  غير أن استناد هذه النزعة الانسانيه الليبرالية على فكره القانون الطبيعي ، الذي يركز على الفرد ويتجاهل الجماعة ،  أدّى إلى أن تصبح ثمار هذا التقدم والرخاء المادي ( ملكيه خاصة ) لأصحابه ، بل كان بالنسبة إلي غيرهم  من المجتمعات الاوربية ( الطبقات الاخرى)  أو المجتمعات الاخرى ( المجتمعات الشرقية في ظل الاستعمار الاوربى ) فقرا على فقر وعبودية كعبوديه القرون الوسطى ، وبقيت المجتمعات الاوربيه والمجتمعات الاخرى محرومة من ثمار  هذا التقدم  والرخاء إلي ما قبل قرن ( د. عصمت سيف الدولة ، الأسس ) .                                               .....

المذهب العلماني : أما النزعة الانسانيه العلمانية فقد تأسست في جامعة شيكاغو عام 1933  وقد عرفها بيانها الأول ، بأنها إيديولوجية تتبنى السببية ، القيم ، والعدالة ، بينما ترفض على وجه التحديد الأفكار الخارقة  والدينية كأساس للأخلاق ولاتخاذ القرار . 
تقويم  : وهكذا فان النزعة الانسانيه العلمانية هى امتداد للنزعة الانسانيه اللييراليه ، مع التركيز على احد مكوناتها الاساسيه وهي العلمانية ، وهى تجعل العلاقة بين النزعة الانسانيه والدين علافه تناقض وإلغاء.           

المذهب الديني” المسيحي :  أما النزعة الانسانيه الدينية “المسيحية” فتضمن عدد من المذاهب الدينية الغربية ، التي  حاولت التوفيق بين الفلسفة الأخلاقية الإنسانية ، والمعتقدات الدينية المسيحية ، التي تركز على احتياجات الإنسان واهتماماته وقدراته .  

 تقويم :  غير أن محاوله التوفيق بين النزعة الانسانيه والدين المسيحي انحازت إلى احد طرفي محاولة التوفيق” النزعة الانسانيه أو الدين المسيحي طبقا للمذهب الكاثوليكي أو لاحقا البروتستانتي ، مما حل دون أن تقوم بدورها في إلغاء الصراع بينهما عبر تاريخ أوربا .      

المذهب الوجودي :  الوجودية فلسفة تذهب إلى أن ما يميز الإنسان عن باقي الموجودات ، أن الأخيرة تسبق ماهيتها (صفاتها) وجودها (المادي) ، أما الإنسان فهو الكائن الوحيد الذي يسبق وجوده (كجسم مادي) ماهيته (صفاته) أي أن الإنسان يوجد أولاً ثم يختار صفاته بأن يكون خيراً أو شريراً غني أو فقير . لذا فهو الكائن الوحيد الذي يختار صفاته ، بينما الكائنات الأخرى يتم تحديد صفاتها قبل أن توجد . وترفض الوجودية القول بوجود أي معيار موضوعي للقيم ، وقا لت بمعيار ذاتي للقيم هو الحرية . وقد انقسمت الفلسفة الوجودية في الموقف من الدين إلى تيارين : الوجودية الملحدة التي ترى في الإقرار بوجود اله إلغاء لحرية الإنسان ، ومن رواد هذا التيار سارتر وهيدجر . أما التيار الثاني فهو الوجودية المؤمنة التي لا ترى في الإقرار بوجود الله إلغاء لحرية الإنسان ، بل هو مصدر هذه الحرية بمعنى أخر ، فإن الإله هو الذي جعل وجود الإنسان سابق على ماهيته ، وبالتالي جعله كائن حر بخلاف الكائنات الأخرى . ومن رواد هذا التيار كير كيجارد ومارسيل و ياسبر.   

تقويم : وهكذا فان النزعه الانسانيه الوجودية قد أكدت على أهميه الوجود الانسانى ، ولكنها سقطت في هوة ذاتيه مطلقه ألغت أى بعد موضوعي لهذا الوجود  الانسانى
                                                                                                                   ( يتبع )  
من سجلات آل سعود .. !!
» أنا الرّائد طيار رشاد ششة... من سلاح الجو الملكي السعودي ... أطلب الإذن بالهبوط ... أطلب الهبوط لأمر مهم وخطِر . أكرّر : الأمر مهم وخطير ..  «.
كان ذلك هو نص الاتصال الذي تلقاه برج المراقبة في مطار ألماظة ( في القاهرة ) من طائرة غامضة اخترقت المجالَ الجوي المصري، من ناحية البحر الأحمر، صباح يوم الثلاثاء 2 تشرين الأول 1962.
سُمِح للرائد ششة الذي كان يقود طائرة شحن عسكرية سعودية ( أميركية الصنع من طراز « فيرتشيلد 123 ب « ) بالنزول ، في مطار ألماظة ، برفقة معاونيه الملازم طيّار أحمد حسين ، والفني محمد أزميرلي . وبعد تفتيش طائرتهم، تبيّن أنها محمّلة بعشرين صندوقاً ضخماً ، وبداخل كل صندوق اثنا عشر مدفعاً رشاشاً ، بالإضافة إلى مئات من الصناديق التي تحتوي على ذخائر حربية . وكانت كل تلك الصناديق تحمل رمزا واضحا : كَفان تتلاقيان ... وكان ذلك هو تماماً رمز المعونة الأميركية الخيرية للدول الفقيرة ..!
وقال أفراد الطاقم السعودي للسلطات المصرية إنهم يطلبون لجوءا سياسياً في مصر، لأنهم عصوا أوامر عسكرية صدرت لهم من رؤسائهم ، وقضت بأن يطيروا من جدة إلى نجران في جنوب المملكة على حدود اليمن ، حيث عليهم أن يسلّموا حمولتهم ، ويعودوا من جديد ليكرروا الرحلة المشحونة «بالمعونة الأميركية الخيرية» ثلاث مرات كل يوم. وقال الثلاثة إنهم شكّوا أولاً في طبيعة هذه الشحنات ، وفي الأطراف التي ستتلقاها منهم ، ثم إنهم تحققوا أنّ الصناديق المموّهة بشعار المعونة الأميركية ، ما هي إلا أسلحة تجهّز كي يجري تسريبها إلى ميليشيات يمنية متمردة على سلطات صنعاء ، ولكي تكون وقوداً ضرورياً في إشعال حرب أهلية بين اليمنيين . وقال الثلاثة إنهم يأبون أن يُجعلوا وسيلة في إراقة دماء أبناء اليمن ، وإنهم يفضّلون أن يكونوا سبباً في فضح المكر السعودي السيّئ ضد جيران فقراء .
في الغد ، الأربعاء 3 تشرين الأول  1962 ، تكرر ما حصل بالأمس في ألماظة ، إنما هذه المرّة في مطار أسوان ، حيث طلبت طائرة شحن عسكرية سعودية ( من الطراز الأميركي نفسه ) الإذن بالهبوط بحمولتها. وكان على متنها الرائد طيار محمد عبد الوهاب ، والملازم طيار محمد علي الزهراني .
وبعد خمسة أيام، في 8 تشرين الأول، جاء دور طائرتين سعوديتين مقاتلتين، لجأتا بدورهما إلى مطار الماظة . وكان على متن الأولى الرائد طيار محمد موسى عواد ، وعلى متن الثانية الرائد طيار عبد اللطيف الغنوري .
كان جميع هؤلاء الطيارين سعوديي الجنسية . ولقد أبوا أن يتحملوا وزر المشاركة في عدوان أسرة طاغية لنصرة أسرة ظالمة ضد شعب مظلوم ..
                                                                           ( جعفر البكلي )  
هؤلاء هم الابطال الحقيقيون الذين يستحقون التكريم في ذكرى الاستقلال ، ويستحقون النصب التذكارية اعترافا لهم بتضحياتهم ونضالاتهم ، واختفاء بهم وبنهجهم المقاوم ... هؤلاء هم الذين كوّنوا خلايا الثورة المسلحة في الارياف والجبال ضد المستعمر الفرنسي ، وهؤلاء هم الذين قدموا الشهداء في معارك غير متكافئة حلال الخمسينات في جبل اشكل ( 1953 ) ، وجبل عرباطة وجبل برقو ( 1954 ) .. وفي مدن الجنوب ..
وهؤلاء هم الذين تنكر لهم بورقيبة ، بعد أن رفضوا الخضوع لمساره التفاوضي المساوم للمستعمر الفرنسي ، حين رفضوا الاستقلال الداخلي ، والتخلي عن المسار النضالي لثوار المغرب العربي الذي كان خاضعا لمفهوم توحيد المسارات منذ تأسيس مكتب المغرب العربي سنة 1947 بالقاهرة ، وبالتالي عدم القبول بالحلول المنفردة مع فرنسا ..
هؤلاء هم الذين وصفهم بورقيبة بالجهلة بعد أن أوصلوه الى موقع القيادة ، ثم قام بملاحقة من تبقى منهم وقدمهم للمحاكمات او دبر لهم الاغتيالات ، وشرّد الكثيرين منهم ، وحاصر عائلاتهم ..
هؤلاء هم الذين انقلب بورقيبة على نهجهم العروبي المقاوم وقال قولته الشهيرة : " باريس أقرب لنا من القاهرة " ..
العيون العربية ما زالت معصوبة
د.صبحي غندور .

رغم ما يحدث الآن في أكثر من بلدٍ عربي من صراعاتٍ دموية تبدو وكأنّها مفتوحة الأجل ولا حلول قريبة لها... ورغم قتامة كل المشهد العربي، ورغم سوء الحاضر فعلاً، فإنّ جملة تطورات دولية وإقليمية تؤشّر إلى قرب خروج هذه البلدان العربية ، المتصارع فيها وعليها، من النفق المظلم الذي تعيش فيه حالياً.
لقد مرّ أكثر من عقدٍ من الزمن على إشعال شرارة الحروب الأهلية العربية المستحدثة في هذا القرن الجديد، والتي بدأت من خلال الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 وتفجير الصراعات الطائفية والمذهبية والإثنية فيه، ثمّ من خلال اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في العام 2005، ثمّ بالمراهنة على تداعيات الحرب الإسرائيلية على لبنان في العام 2006، ثمّ بتقسيم السودان في مطلع العام 2011 وفصل جنوبه المختلف دينياً وإثنياً عن شماله، ثمّ بتحريف مسارات الحراك الشعبي العربي الذي بدأ بتونس ومصر متحرراً من أي تأثير خارجي، وسلمياً في حركته، فانعكس على دولٍ عربية أخرى، لكنّه انحرف عن طبيعته السلمية المستقلّة بسبب التأثيرات والأجندات الإقليمية والدولية المختلفة، حيث أراد بعضها توظيف الانتفاضات الشعبية العربية لكي تكون مقدّمةً لحروبٍ أهلية ولصراعاتٍ طائفية ومذهبية وإثنية، ولتغيير سياسات وخرائط أوطان، وليس حكومات وأنظمة فحسب.  
وقد رافق هذه الأجندات الإقليمية والدولية المتصارعة على الأرض العربية نموّاً متصاعداً لجماعات التطرّف المسلّحة التي استغلّت حالات الفوضى والعنف لكي تمتدّ وتنتشر، بعدما صنعت والدتها "القاعدة" لنفسها قيمة دولية كبرى من خلال أحداث 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة وفي أماكن أخرى بالعالم .   
وقد استغلّت إسرائيل طبعاً هذه الصراعات العربية البينية ، فواصلت عمليات الإستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلّة مراهنةً أيضاً على تحوّل الصراع الأساس في المنطقة من صراعٍ عربي / إسرائيلي إلى صراعاتٍ عربية / عربية ، وعربية / إيرانية ، وعلى تقسيمات طائفية ومذهبية تبرّر أيضاً الاعتراف بإسرائيل كدولةٍ يهودية.
لكن السمات السلبية الداكنة للسنوات الماضية بدأت تتغيّر إلى حدٍّ ما مع أواخر العام 2015 ، حيث انتقلت موسكو وواشنطن من حال التنافر والخلاف بشأن الأزمة السورية إلى حال التفاهم على العمل المشترك لحلّها، وفق قرار مجلس الأمن 2254 ثمّ بيانات فييّنا وميونيخ . كذلك شهد نهاية العام الماضي بدء تنفيذ اتفاق الدول الكبرى مع إيران بشأن ملفها النووي وبدء رفع العقوبات المفروضة على طهران منذ زمنٍ طويل . وهذان الأمران (التفاهم الأميركي – الروسي والاتفاق الدولي مع إيران ) لهما أهمّية كبيرة الآن في معالجة أزماتٍ عربية متفجّرة أو مهدّدة بانفجارٍ أكبر. وربّما هذا ما يُفسّر سبب غضب بعض الأطراف الإقليمية على إدارة أوباما، وخاصة انتقادات تركيا الأخيرة، وقبلها ما صدر عن حكومة نتنياهو حيث سقطت المراهنة الإسرائيلية على إشعال حربٍ دولية وإقليمية ضدّ إيران وحلفائها بالمنطقة.
هي حقبةٌ جديدة في العلاقات الأميركية / الإسرائيلية ، حقبة فيها المصالح الأميركية أولاً كمعيار لوضع السياسات الأميركية وليس نتيجة حجم التأثير الصهيوني في صنع القرار الأميركي . وهذا التغيير الذي حصل في العلاقات بين واشنطن وتل أبيب لن يؤثّر حتماً على حجم الدعم المالي والعسكري الأميركي لدولة إسرائيل ، فواشنطن تُميّز بين الحاجة لدولة إسرائيل وضرورة دعمها ، وبين الخلاف السياسي مع حكومة هذه الدولة ، ومحاور الخلاف هي الآن شاملة لمسألتيْ سوريا وكيفيّة التعامل مع الملف الفلسطيني، إضافةً إلى الخلاف الذي حصل بشأن إيران  .
 إنّ المتغيّرات الإيجابية الجارية حالياً في العلاقات بين واشنطن وموسكو، وبين إيران والدول الغربية ، ستؤدّي حتماً إلى تخفيف الصراعات الدولية والإقليمية على بلدان المنطقة العربية ، كما ستضع مشاريع تسويات لصراعاتٍ وتطورات جارية الآن ومعنيّة فيها القوى الإقليمية الفاعلة ، وشاملة للأزمات السورية واليمينة والفلسطينية واللبنانية والعراقية والليبية، وطبعاً للمواجهة مع جماعات الإرهاب.   
فخيار التسويات هو المطلوب حالياً من قبل الأقطاب الدوليين حتّى لو كانت هناك "معارضات" لهذه التسويات على مستوياتٍ محلّية وإقليمية. لكن هذه التسويات يتمّ وضعها الآن على "ظهر سلحفاة"، بعدما فشلت تجارب دولية انفرادية سابقة بوضع مشاريع تسوية في "قطارٍ سريع"، لكن على سكك معطوبة من قِبَل أصحابها أو ملغومة بفعل هذا الطرف أو ذاك  .وفي ظلّ الظروف العربية السلبية القائمة حالياً وما فيها من مخاطر أمنية وسياسية على الكيانات الوطنية، فإنّ هذه التفاهمات الدولية هي الأمل الوحيد المتاح حالياً لمعالجة أزمات المنطقة، ولوقف انحدار أوطانها نحو هاوية التقسيم والحروب الأهلية المدمّرة. وهي حتماً مراهناتٌ عربية جديدة على "الخارج" لحلّ أزمات مشكلتها الأساس ضعف "الداخل" وتشرذمه. 
المنطقة العربية تعيش الآن مرحلة عشيّة الخروج من النفق المظلم الذي ساد طيلة أكثر من عقدٍ من الزمن ، لكن هي المرحلة الأخطر لأنّ كلّ طرف معني بصراعات المنطقة سيحاول تحسين وضعه التفاوضي على "الأرض" قبل وضع الصيغ النهائية للتسويات. وسيكون صيف هذا العام هو الحدّ الزمني الفاصل للاستحقاقات المتوجّبة لهذه التسويات، ليس فقط بحكم ما ورد في قرار مجلس الأمن حول سوريا أو المهل الزمنية المحدّدة لأزمات أخرى، بل لأنّ إدارة أوباما ستفقد فاعلية القرار في مطلع الخريف القادم بسبب استحقاق الانتخابات الرئاسية الأميركية.
تحدث كل هذه التطورات الهامّة بينما العرب منشغلون في أوضاعهم الداخلية أو منقسمون ومتصارعون حول قضايا جوارهم العربي والإقليمي. فلا توافق عربي على أي أزمة عربية، ولا مرجعية عربية واحدة فاعلة، ولا رؤية عربية مشتركة لمستقبل المنطقة في ضوء المتغيّرات الحاصلة. ولعلّ ما يزيد من حجم المرارة في وصف الحاضر العربي أنّ الشعوب، وليس الحكومات فقط ، غارقة أيضاً في الانقسامات وفي الخضوع لما تنقله وتعرضه وسائل إعلام عربية من تحريض وتعبئة وأكاذيب ضدّ " الآخر" في الوطن نفسه أو في الأمَّة عموماً .
وتظهر الأزمة الكبرى في المجتمعات العربية الآن حينما نسأل على ماذا تتصارعون؟ حيث الإجابة تتراوح بين من ينشدون الديمقراطية والتغيير عبر العنف المسلّح ، وبين من يعتبرون أنفسهم حماة الدين أو الطائفة ، بينما واقع الحال أنّ الديمقراطية والدين براء ممّا يحدث باسمهما من قتلٍ وسفك دماء.
هو انحطاط ، وهو انحدارٌ حاصلٌ الآن، بعدما استباحت القوى الأجنبية ( الدولية والإقليمية ) ، وبعض الأطراف العربية، عسكرة الحراك الشعبي واستخدامَ السلاح الطائفي والمذهبي والإثني في حروبها ، وفي صراعاتها المتعدّدة الأمكنة والأزمنة خلال العقود الأربعة الماضية . وقد ساهم في ترسيخ هذا الواقع الانقسامي الأهلي ، على المستوى الشعبي العربي ، هيمنةُ الحركات السياسية ذات الشعارات الدينية ، وضعفُ الحركات السياسية ذات الطابع الوطني أو العربي التوحيدي ، إضافةً لاستمرار غياب دور مصر الريادي الإيجابي في الأمّة العربية. 
ومهما حدثت تطوّرات إيجابية على الصعيد الدولي ، فإنّ السؤال يبقى : ما ينفع أن تخرج الأزمات العربية من النفق المظلم بينما تستمرّ عيون العرب معصوبةً بسواد الانقسامات الطائفية والمذهبية ، وأياديهم مقيّدةً بسلاسل الارتباطات الخارجية .. !؟.



ان الرجعية تتصادم في مصالحها مع مصالح  مجموع الشعب بحكم احتكارها لثروته ، ولهذا فان سلمية الصراع الطبقي لا يمكن أن تتحقق الا بتجريد الرجعية ـ أولا وقبل كل شئ ـ من جميع أسلحتها ..  ان تحالف الرجعية ورأس المال المستغل يجب أن يسقط .. لا بد أن يفسح المجال بعد ذلك ديمقراطيا للتفاعل الديمقراطي ، بين قوى الشعب العاملة .. "
                              
                                الزعيم الراحل جمال عبد الناصر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق