نهضة الاسلام في نهضة المسلمين
..
على المسلمين الغيورين على دينهم
أن يفكروا ـ أولا وقبل كل شئ ـ في مصلحة المسلمين .. فالاسلام دين
الله الذي نزل على عبده المصطفى من البشرية جمعاء ، الذي خصّه بالرسالة والتكليف .. وهذا الاختيار بالتأكيد يحمل في طياته تكريما للرسول صلى الله عليه و سلم ، ولقومه ولغته التي جعل منها
لغة يتلى بها القرآن في كل زمان ومكان ، فارتبط جوهر الدين بالفاظها ومعانيها ..
كما ارتبط مصير الاسلام منذ بدايته بمصير هؤلاء القوم الذين حفظوا آياته ، وحملوا
رايته ، ودافعوا عنه بارواحهم حتى اشتد عوده وصار منتشرا في ربوع الأرض .. وهكذا
نرى ان مصلحة الاسلام منذ ذلك الوقت ، أصبحت مرتبطة الى أبعد الحدود بمصير
المسلمين الأوائل .. فلا قوة حقيقية للاسلام الا بقوتهم ، ولا مناعة ،
ولا تقدم ولا نهوض للمسلمين جميعا الا بنهوض الامة التي نزل عليها التكليف .. فالاسلام لا يبلغ قوته الا بمسلمين اقوياء .. والمسلمون ـ مهما كان تقدمهم
العلمي والصناعي والمعرفي ، ومهما كانت نهضتهم الاقتصادية ـ لا يستطيعون النهوض
بالاسلام بعيدا عن دياره ، وبمعزل عن لغته الأم التي نزل بها الوحي .. فلا نهوض اذن للاسلام دون نهضة عربية شاملة تنعكس على جميع نواحي
الحياة ، الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية ، والدينية أيضا سواء في
الفقه أو في قراءة التاريخ والتراث العربي الاسلامي .. أي لا نهضة دون
تغيير يشمل البنى الفكرية داخل العقل العربي عموما ، فيحرّره من جميع الارهاصات
التي تعرض لها على مدى قرون طويلة حولته من الابداع الحر الى التعصب والخرافة ..
فهل هذا ممكن ..؟؟
في الواقع الحي ، أمامنا تجارب
الشعوب التي عانت من التخلف الشئ الكثير ، ثم نهضت حينما آمنت بقدراتها
وامكانياتها .. وأمامنا سنن الحياة التي تحكم حركة الظواهر ، وترتبط فيها النتائج
المطلوبة بتحقيق شروطها المسبقة ، وفي نظرة الاسلام نفسه لهذه النواحي نجد تأكيده
الصريح على أن التغيير والنهوض في الواقع ، لا يتم تلقائيا ، بل يحتاج ـ أولا وقبل
كل شئ ـ الى وعي وتصميم وارادة وتخطيط مسبق من الانسان نفسه ، وعمل على توفير الشروط
اللازمة للنجاح المطلوب ، فقال تعالى : " لا يغير الله ما بقوم حتى
يغيروا ما بأنفسهم " ..
وهكذا نتعلم أن لا نهضة دون تحرير للانسان من الاستبداد
.. ودون تحرير له من الاستغلال .. ولا نهضة شاملة دون تغيير اجتماعي في جميع
المجالات ذات الصلة بالامن والصحة والتعليم .. ولا نهضة اجتماعية دون بناء حياة
ديمقراطية سليمة تحرّر الناس من التبعية والخوف .. فلا نهضة اذن ، للاسلم في مجتمع
متخلف ، أي بمعنى أشمل ، لا نهضة للاسلام دون نهضة بالمسلمين ..
( القدس عدد 220 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق