بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 8 نوفمبر 2015

عروبة فلسطين .. (1)



عروبة فلسطين .. (1) .


نقرأ في كثير من الدراسات والكتب اجتهادات الكتاب والباحثين العرب والمسلمين في اثبات عروبة فلسطين من خلال سرد التاريخ القديم للجماعات التي عاشت وأسّست بعض الحضارات والدويلات منذ ما قبل المبلاد .. مع محاولات تبدو احيانا متعسفة على التاريخ ـ لدى البعض ـ من خلال التأكيد على نفي أي علاقة لليهود بفلسطين ، أو جعل تلك العلاقة عابرة ، لا أثر يذكر لها في التاريخ القديم .. وفي كثير من الأحيان نسمع التهجم على بني اسرائيل الذين عاشوا في تلك الفترة وكأن هؤلاء هم الذين اغتصبوا فلسطين اليوم .. وهذا كله مجانب للحقيقة .. وهو قائم على خلط كبير في فهم مراحل التطور التي مرت بها البشرية .... كما نجد قراءات تاريخية موضوعية تتحدث عن أحداث التاريخ على غرار ما ذكره الدكتور رأفت النبراوي ، العميد بكلية الآثار جامعة القاهرة ـ مجتهدا ـ في احدى الندوات المنعقدة في مصر تحت عنوان " القدس عربية " لاثبات عروبتها : (القدس شيَّدها الملك الصادق ، أحد ملوك اللوسيين الأوائل عام 3000 ق . م ، وهم إحدى بطون العرب في مدينة يوبوس ، وخضعت بعد ذلك لحكم فراعنة مصر خضوعًا تامًا عام 1479 ق . م ، وجاء المصريون القدماء وسموها « أورسالم » ، ويلفت إلى أن هذه الكلمة لها شقان هما « أورو» ومعناها مدينة و« سالم » ومعناها السلام ، فسموها « مدينة السلام » ، ومن هنا اشتقت عبارة «أورشاليم » ، وفي ذلك الوقت خرج بنو إسرائيل من مصر سنة 1292 ق . م متوجهين الى فلسطين فاستوطنوها واستولوا عليها وقتلوا 10 آلاف رجل وامرأة من سكانها ، ولم يرحموا كبيرًا ولا صغيرًا ثم تخلوا عنها وتركوها تحت ضغط اليبوسيين ، وجاء الكنعان في ذلك الوقت وترك اسمها «أورسالم » ولم يغيره وتم تشييد الهيكل المنسوب إليها عام 1007 ق . م .. ويواصل النبراوي سرد الوقائع للتأكيد على عروبة القدس بقوله : في عام 18 ق . م رمَّم الإمبراطور الروماني هيرودوس الهيكل ، ولكن تاتانيوس خرَّب بيت المقدس وأخلى القدس من بني إسرائيل ، وجاء أدرينانوس وأخذ عرش الإمبراطور وعقد العزم على القضاء على اليهود ، فشتتهم ودمَّر مدينة القدس بل حرقها تمامًا بما فيها ثم بنى بعد ذلك.. مدينة إيليا ، نسبة للأسرة الحاكمة ، ولا توجد. بقايا للدولة غير بقايا من هيكل سليمان المزعوم ، ولم يتبق لليهود شيء في القدس ، مما يجعل مزاعمهم لا تقوم على أساس من الصحة ومزاعم كاذبة .. "
والواقع ان كل هذه الاجتهادات مفيدة وهامة ، بذل فيها المجتهدون جهدا يذكر فيشكر ، سعوا من خلاله لاثبات حق العرب في ارضهم التاريخية التي يحق لهم تعميرها.والاقامة عليها وحدهم لا ينازعهم فيها أحد من الغرباء ، الا في نطاق ما تسمح به القوانين المعروفة في شتى انحاء العالم .. بداية بالاقامة والشغل والتنقل والعبور .. وصولا الى قوانين الجنسية ، وحق المواطنة طبقا للشروط التي يحدّدها القانون الخ  ..
ولكن المشكل أن القرآن الكريم يذكر في العديد من آياته الصريحة المحكمة بني اسرائيل كما يذكر جوانب عديدة من حياتهم ، والانبياء الذين بُعثوا اليهم ، حتى أن الله يعتبر جزءا منهم من الصالحين ، قال تعالى في سورة الاعراف  :  " وقطعناهم في الأرض أمما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك (168) " . بل يقول في سورة الجاثية "  وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (16) ".. وهي معضلة حقيقية لا تجدي معها اساليب الانكار والنفي للوقائع التاريخية الثابتة بان بني اسرائيل عاشوا فعلا على ارض فلسطين .. وهنا يتوقف الفهم الصحيح للمشكل على المنهجية المتبعة في قراءة التاريخ ، والتي يجب أن تتطابق دائما مع الطرح القرآني .. قال تعالى متحدثا عن " اسرائيل وهو النبي يعقوب في سورة الاسراء : " ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3)  .
ما المشكل اذن ان تكون قبائل بني اسرائيل المنحدرة من اصول عربية وانبياؤهم من الانبياء الصالحين الذين بعثهم الله للهداية والتوحيد مثلما بعث غيرهم من الانبياء ، قد عاشوا قبل الف ومائتي عام من ميلاد المسيح او أكثر على ارض فلسطين ، .. وما المشكل ان كان من بينهم قوم ظالون ذكرهم الله بمثل ما ذكر به أو اقل أحيانا اقوام سابقة عليهم واخرى لاحقة بهم من العرب انفسهم الذين تصدوا للاسلام ، وحاربوا الرسول صلى الله عليه وسلم الخ .. ولكن قد يكون من المهم ان نسأل : هل أن بنو اسرائيل الذين ذكرهم القرآن هم الصهاينة الحاليين .. ؟؟ هل هؤلاء هم الذين جلبتهم الحركة الصهيونية في مطلع القرن العشرين بعد وعد بلفور، من روسيا ورومانيا والمانيا وافريقيا وامريكا وآسيا وغيرها ..؟ ابدا ... فبنو اسرائيل الذين قصدهم القرآن هم شعوب المنطقة الاصليين الذين عاشوا في تلك الفترة وبعدها ، ودخل من دخل منهم في المسيحية ثم في الاسلام ، ومات من مات ، وتشرد من تشرد مثلما روى الدكتور النبراوي ، ثم تعرّب الباقون واصبحوا من اليهود العرب الذين شمل الرسول الكريم بعضهم بالمواطنة حينما ذكرهم في الصحيفة فاصبحوا يهودا عربا بغثهم وسمينم على غرار ما في العرب المسلمين من غث وسمين ..
والواقع ان المشكلة مع اليهود لم تكن لتطرح بمثل ما هي مطروحة عليه اليوم لولا اغتصاب ارض فلسطين من طرف الغزاة ، وهي التي تشهد السموات والارض بعروبتها .. لان بعد تلك الفترات القبلية التي ارادها الله مرحلة من مراحل تطور البشرية ، والتي كانت تتميز بالروابط الدموية والترحال الخ .. جعل سبحانه الانصهار والاستقرار عوامل جديدة لتكوين الشعوب ، قال تعالى في سورة الحجرات : " وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ (13) " . وهكذا فان فلسطين دخلت منذ الفتح العربي الاسلامي مرحلة التكوين القومي لتكون جزءا من الامة العربية ولم يعد ماضيها القبلي حجة على حاضرها ، مثلما يجري في جميع الامم ..

( القدس عدد 201 ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق