أحداث جامع اللخمي : لعبة السياسة .. في جبة الدين ..
تعيش مدينة
صفاقس أزمة حقيقية منذ اسابيع ، لم تشهدها المنطقة سابقا .. وفي الظاهر ، يبدو أن
عزل الامام الخطيب في جامع اللخمي ، هو سبب الأزمة ، وهو ما تريد الأطراف المدافعة عنه ، تصويره وتبليغه للرأي
العام ..
وطبعا ، ومثلما
لا يخفى على أحد فان من قام باقصائه هي السلطة الرسمية ، متمثلة في وزير الشؤون
الدينية ، أما الأطراف المدافعة عنه ، فهي
قواعد الحزب الشريك في الحكم وهو حزب حركة النهضة ، وبعض الأطراف الأخرى من نفس
الخلفية الايديولوجية ، وقد باتت جميعا تسعى الى تصعيد الموقف مركزة هجومها على
الوزير وكأنه قادم الى الوزارة دون علم الحركة
.. وهذا في حد ذاته مثير للعديد من التساؤلات ..
لعل أول
تساؤل يمكن طرحه ، هو كيف تكون قيادات حركة النهضة راضية عن تشكيل الحكومة ،
وتعتبر نفسها شريكا في الحكم ، بكل هياكله وممثليه ، ووزير الشؤون الدينية واحد
منهم ، في حين أن قواعدها تتهم هذا الوزير دون غيره من الوزراء أو من النواب بانتمائه
للتجمع وعدائه للاسلام .. ؟؟ والواقع أن مثل هذا التسويغ يمكن مواجهته بسؤال بسيط
من جنسه : اذا كان عزل الامام هو سبب الازمة ، فما هو سبب العزل اذن ؟؟
السلطة تتهم
الامام بانه يحرّض على الفتنة ، ويسيّس المساجد باثارة الخطب السياسية والتهجم على
اطرافر سياسية ونقابية دون غيرها ، فضلا عن انتمائه النقابي لمنظمة موازية لاتحاد
الشغل دون فصل بين نشاطه خارج المسجد وداخله .. والامام ومؤيدوه يقولون أن تعيين الايمة يجب ان
يكون خاضعا لاختيار المصلين ويستشهدون في ذلك ببعض الاحاديث المتداولة مثل ما جاء في حديث بن عباس : " ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق رؤوسهم
شبراً ، فذكر فيه رجلا أمّ قوماً وهم له كارهون .. "
ويقولون أيضا أن الاسلام دين ودولة ، وبالتالي يمكن للامام الخوض في الشأن
العام ، وان الوزير يريد ان يحصر دور الايمة والمساجد في مدح السلطة وآداء الشعائر
على غرار ما كان يحدث قبل الثورة ..
وأن الحياد المطلوب هو حياد عن الانتماءات الحزبية داخل المسجد ، ولا يعني
الكف عن الحديث في القضايا العامة الخ .. ورغم أن السلطة ممثلة في مواقف وزيرها المكلف بالشؤون
الدينية تحمل فهما رجعيا للدين ، وتعمل على التوظيف السياسي له ، فان الامام
ومؤيديه لا يقلون فهما رجعيا عنهم ، ولا ينقصهم التوظيف السياسي للدين مثلهم .. كما أن ما يثار من لغط من طرف أنصار الامام ، لا
يخلو من الفهم الخاطئ والتوظيف السياسي المفضوح للأحاديث والقواعد الشرعية ، الى جانب المغالطات المتعمدة للرأي العام
في نفس الوقت .. اذ أن من ينفي
الخلفية الايديولوجية للامام الخطيب بجامع اللخمي بمدينة صفاقس ، انما يتصرف كمن
يريد اخفاء الشمس بالغربال كما يقولون في المثل الشعبي .. لأن الخطب المسجلة
والمتداولة في كل مكان هي التي تأكد هذه الحقيقة ، حيث يتكرر تهجمه من اعلى المنبر
على كل الاطراف السياسية التي يذكرها
بالاسماء ولا يستثني منها الا طرفا واحدا يمثل " الفرقة الناجية "
عنده ، المتمثلة في الحركات الدينية التي ينتمي اليها ايديولوجيا ، وهو القائل في
احد الخطب : " فليسمع الجميع ، لن يعود التجمع ، لا متستر بالنقابة ، ولا
متستر بالشيوعيين ، ولا بالقوميين ، ولا بمافيا الفساد المالي .. "
بالنسبة
للتاويل الخاطئ ، فان اهل الذكر يؤكدون ان كراهة الامام ( المعين من طرف السلطة ) لا
تبرر في المطلق ، ولا توجب تكرار الغاء الصلاة بمثل ما وقع ، خلال ثلاث اسابيع
متتالية ، وبالاسلوب الذي يمارس داخل المسجد .. يقول الامام الشافعي عن كره الناس
للامام : " يكره أن يؤم قوما وأكثرهم له كارهون ، ولا يكره
إذا كرهه الأقل ، وكذا إذا كرهه نصفهم لا يكره ، صرح به صاحب الإبانة ، وأشار إليه
البغوي وآخرون " .(عن المكتبة الاسلامية ) ،
فكيف سنتبين اذا كان النصف كارهين أم أكثر ؟؟ كما قيل : " إنما تكره إمامته إذا كرهوه لمعنى مذموم شرعا
كوال ظالم ، وكمن تغلب على إمامة الصلاة ولا يستحقها ، أو لا يتصون من النجاسات ،
أو يمحق هيئات الصلاة ، أو يتعاطى معيشة مذمومة ، أو يعاشر أهل الفسوق ونحوهم أو
شبه ذلك فإن لم يكن شيء من ذلك فلا كراهة ، والعتب على من كرهه ، هكذا صرح به الخطابي والقاضي حسين والبغوي وغيرهم ..
(المصدر السابق ) .
أما بالنسبة
للمغالطات فهي عديدة وأولها أن النهضة هي التي أعادت التجمعيين ، وهي التي خاضت
معهم رحلة طويلة من الحوار ، والتنازلات بدءا بقوانين تحصين الثورة ، التي أدى
سحبها الى تمكينهم من الرجوع الى الساحة السياسية ، والفوز في الانتخابات ، فهي
اذن التي قدمت لهم السلطة على طبق من ذهب ، ثم تحالفت معهم لتصبح شريكا لهم في
الحكم ، وهاهي الآن تقف الى جانبهم لتمرير
قوانين المصالحة .. فعن أي تجمعيين يتكلم الامام ، وعن أي أطراف أرجعتهم الى الحكم
؟؟؟
وثانيها
مقولة الاسلام دين و دولة ، التي هي حق يراد به باطل .. اذ كون الامام يحق له
التعاطي مع الشأن العام لا يجعله ينقل داخل المسجد وجه نظره الخاصة على أساس أنه
موقف الاسلام ، بل يجب عليم من موقع اطلاعه على آراء الفقهاء والمجتهدين ، نقل
آرائهم واجتهادتهم الى المصلين ليختاروا منها ما يرونه صالحا ، دون التضييق عليهم
وحصر اختياراتهم في زاوية الراي الواحد
الذي هو في الواقع راي حزبي صريح .. وثالها هو مسالة اختيار الايمة ، التي هي جزء
من مشكلة عامة تخص استقلال المؤسسات عن السلطة التنفيذية ، وهي التي رفضتها النهضة
في التشريعات خلال وضع الدستور ، لعل التضييق على هيئة القضاء والاعلام جزء من منها
..
ورابعها هي مسألة الانتماء والدعاية الحزبية ، فماذا يعني اذن ، التهجم على
كل الاطراف السياسية باستثناء طرف واحد ..؟؟ ألا يعني أن هذا الاستثناء دعاية غير
مباشرة للطرف المستثنى من التهجم ..؟؟
وخامسها يمثل نموذجا صارخا
للاستخفاف بالعقول ، وهو حشد قواعد النهضة من كل الجهات في شوارع صفاقس تاييدا
للامام ، والادعاء أنهم غير متحزبين .. !!
( نشرية القدس العدد 200 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق