التحدي والارادة .. أين العرب من هذا ..
يشهد شهر نوفمبر من كل عام مرور الذكرى السنوية لسقوط جدار برلين الشهير ، الذي كان بالنسبة
للشعب الالماني شاهدا حيا على الهزيمة
والاذلال الذي عاشته الامة الالمانية بعد دخول الحلفاء واحتلالهم اراضيها نهاية
الحرب العالمية الثانية ، ثم تقسيمها بالكامل الى أربع مناطق نفوذ تقاسمها الحلفاء
الأربعة مطالبينها بالخضوع ودفع التعويضات .. فيما تم تقسيم عاصمتها مطلع الستينات الى قسمين قسم شرقي تابع للاتحاد
السوفياتي ، وقسم غربي تحت هيمنة الغرب ..
وقد عاش الشعب الالماني حالة من الانهيار
والتفكك والضياع بعد الهزيمة والتجزئة وهو يعاني من الحصار الجغرافي المفروض ، والحصار
السياسي والاقتصادي والعسكري بين معسكرين متصارعين ، جعلوا من مدينة برلين المقسمة
مسرحا لكل الصراعات والمعارك
الاستخباراتية المفتوحة بينهما ..
ولعل من أغرب ما
عاناه الشعب الالماني بعد الحرب ، هو ذلك الفصل المفروض على متساكني مدينة برلين
التي قام فيها الجدار بعزل الناس بعضهم عن بعض ، فحرموا من اقاربهم وذويهم وأفراد عائلاتهم ،
وجيرانهم واصدقائهم الذين كانوا يعيشون معهم في مدينة واحدة قبل الحرب .. ولم يكتف
السياسيون بقسوة الحرب ومآسيها الحاصلة من خلال النتائج الكارثية والخسائر التي
عرفتها ألمانيا المهزومة ، بل زادوها قسوة القرارات الصادرة تباعا منذ مؤتمر يالطة
، بحيث لم يتوقف الأمر ـ عمليا ـ عند تقسيم الشعب الالماني الى شطرين منفصلين ودولتين
عدوّتين ، بل تعدّاه في الواقع الى تقسيم الاسرة الواحدة أحيانا ، والاقارب ، والاحياء
التي شقها الجدار العازل ، فضلا عن الأنظمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الجديدة
المفروضة بكل ما افرزته من صراعات وعداء
لم تكن كلها باختيار الشعب الالماني الضحية ..
وبقطع النظر عن درجات
المسؤولية التي يتحملّها السياسيون النازيون وحلفائهم في ذلك الوقت ، فان العبرة
مما حصل للشعب الألماني قد لا يفهمه فهما صحيحا الا من يعاني مثلهم من المآسي التي
عاشوها ، وقد لا يكون ماضيهم مهما ايضا في
المرحلة الحالية الا للعرب الذين يعيشون تقريبا نفس المعاناة التي عاشتها ألمانيا
سواء قبل الوحدة حينما كانت مجزأة كما يقول ساطع الحصري الى " 360 وحدة سياسية .. مستقلة عن
بعضها استقلالا مطلقا .. " مطلع القرن التاسع عشر ، أو حينما ابتليت
بالاحتلال و التجزئة والتبعية والضعف بعد الحرب العالمية الثانية .. ولهذا فان
سقوط جدار برلين في شهر نوفمبر 1989 ، وتوحيد ألامانيا المجزأة لتعود الى صف
الريادة والقيادة في العالم ، انما هو حدث تاريخي فعلا ، يعبر بكل وضوح عن حجم
الارادة الشعبية والوطنية ، وحجم الوعي والتحدي الذي يمتلكه أبناء الامة الالمانية
من سياسيين وحكام ومواطنين عندما التقت ارادتهم جميعا في انجاز ما يجب انجازه
لاعادة الامر الطبيعي لأمة جزأها أعداؤها كما قال الزعيم الراحل جمال عبدالناصر ، متحدثا عن الوحدة العربية .. فاين
العرب من هذا وهم أحوج ما يكون اليه .. ؟؟
( نشرية القدس عدد 203 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق