بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 23 نوفمبر 2015

الاسلام و واقع المسلمين .. (2) .


في الاسلام جانبين مهمين لا بد من الوقوف أمامهما عند محاولة الكشف عن الازمة التي تمرّ بها المجتمعات المسلمة عموما وهما 
ـ الجوانب العامة في الاسلام التي جاءت خالية من قيود الزمان والمكان لتكون صالحة لكل المجتمعات مهما كانت الاختلافات بينها ومهما كانت مراحل التطور التي تمرّ بها ، وهو ما لا يتطلب اجتهادا كبيرا بحكم جاهزيته ووضوح مضامينه ، وهو المعروف بـ" المحكم " ..
ـ الجوانب الخاصة المقيدة بالزمان والمكان وهي التي تركها الشرع مبهمة ليكون فيها الاجتهاد الانساني حاضرا وفق ما يتطلبه الواقع الخاص بكل مجتمع في كل مرحلة تاريخية ، وهو ما يعرف بـ " المتشابه ".. مع الملاحظ أن كلا الجانبين مشترك بين الناس ولكن بصورتين مختلفتين :
فالجانب الاول الذي نسميه المحكم غير مقيد بالزمان أو بالمكان ، وهو بالتالي مشترك بين المسلمين عامة ، والذين يجب عليهم أن يتبينوا مضامين احكامه لتكون رابطا بينهم ومميزا لانتمائهم الجماعي للاسلام .. فيكونون جميعا افرادا من أمة الاسلام التي ارادها الله امة جامعة بما يجمع المسلمين جميعا في أي مكان على وجه الارض .. 
أما الجانب الثاني الذي يتطلب التمعن والنظر والاجتهاد في أمور الحياة فهو متروك للناس في زمانهم ومكانهم لتبين افضل ما يستطيع البشر أن يصلوا اليه بعقولهم للعيش المشترك في كنف القيم الانسانية النبيلة التي منحها لهم دينهم ، مما يحتم على المسلمين التعامل الخاص مع مجتمعاتهم كما هي ، ليكون نجاح أول خطوة من خطوات الاجتهاد اللازم لتقدمهم مرتبطة مباشرة بواقع المجتمع الذي يعيشون فيه ، وهو ما يعني أن نجاحهم يتوقف على ادراك خصوصيات. مجتمعهم الذي سيمارسون فيه اجتهادهم ادراكا صحيحا .. وهكذا نجدهم يواجهون أكثر الاسئلة حسما من هذه الناحية : من نحن وما هو مجتمعنا ؟؟ اذ لا وجود لمشكلات مجرّدة خارج اطار المجتمعات حتى وان كانت جميعا مسلمة ..
وبهذا نكتشف بسهولة ان لكل مجتمع خصوصياته وهي في مرحلتنا الحالية خصوصيات قومية ، لا يستطيع الناس تطوير مجتمعاتهم على الوجه الافضل ، الا بمواجهتها على طبيعتها تلك ، لتكون رابطا ومميزا للانتماء الجماعي الذي أراده الله مميزا لكل أمة من الامم في أي مكان على وجه الأرض ..
ان تحديد الانتماء الموضوعي للمجتمع سيكون على قدر كبير من الأهمية في سعي الناس لتطويره باسلوب صحيح ، لان تحديد المجتمع شرط اولي لفهم مشكلاته ، وفهم مشكلاته شرط مسبق لايجاد حلولها ، وايجاد الحلول ثم تنفيذها في الواقع شرط لازم لنهوض المجتمع في اي مرحلة من مراحل تطوره ..
وهكذا نكتشف بسهولة أيضا الاسلوب الامثل الذي يتوقف عليه تطور المجتمع حينما ننطلق من وضعه كمجتمع من الناس لهم احتياجات خاصة مرتبطة بواقعهم ، وتجمعهم روابط انسانية ودينية واجتماعية متعدّدة ، وتحرّكهم في نفس الوقت نزعات وبواعث مختلفة تحتم على الجميع الالتزام بآليات محدّدة تمكنهم من فهم ظروفهم ، وتنظم مشاركتهم على أوسع نطاق في تحديد مصيره وفقا لتلك الشروط اللازمة لتطوره ، وهو ما نسميه اختصارا : بالديمقراطية .. ونعني بها الديمقراطية الحقيقية في ابعادها الاجتماعية ، وليس الديمقراطية الليبرالية المشوّهة .. 
هذا ما يحتاجه مجتمعنا ليتطوّر : الوعي الصحيح بالانتماء ، ووضع آليات للمشاركة الجماعية في بناء المستقبل  .. لا أكثر ولا اقل ..


 ( نشرية القدس عدد 203) . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق