وعد بلفور : كيف تحوّل الوعد الى واقع .. ؟
مضى الآن حوالي
قرن من الزمن عن صدور وعد بلفور في الثاني من نوفمبر 1917 ، استطاعت الحركة الصهيونية
خلالها أن تحقق أهم أهدافها ، المتمثلة في بناء دولة يهودية آمنة ومستقرة وذات
سيادة ، لها اليد الطولى في المنطقة ، مع اضعاف العرب وتشتيتهم والهائهم بالصراعات
والفتن الداخلية ، لمنعهم من تحقيق اي مشروع نهضوي يهدد وجودها .. وهكذا وجدت بعض
القوى العظمى في هذه الأهداف ، قاسما مشتركا يحقق مصالحها ، فوقفت الى جانب
المشروع .. ولكن بعد كل هذه المدة التي أفرزت هذا الوضع العربي المتردي ، يحق لنا
ان نتوقف لنتساءل عن سر النجاح الذي حالف
الحركة الصهيونية في تحقيق أهدافها ، مقابل الفشل الذي يواجه السياسة العربية عامة
، والحركة القومية خاصة وهي تتصدى للدفاع عن الامة بعد أكثر من نصف قرن ، رغم ما
تبذله من التضحيات .. والغريب أننا لو تأملنا مشروع بناء " وطن
قومي لليهود " كما عبر عنه وزير خارجية بريطانيا الذي أصدر الوعد ، لوجدنا
أنه كان مجرد حلم من أحلام الصهاينة الأوائل ، لا شك أن اليهود الذين سمعوا به في
تلك الفترة قد استهزأوا بالرسالة ومضامينها ، وربما سخر جزء كبير منهم من الفكرة ،
لذلك لم يتحوّل هذا الوعد ـ في بداية الأمر ـ الى مشروع مقنع لليهود كافة .. الا أن الفكرة
سرعان ما تحوّلت الى مخطط ، وتنظيم عالمي موحد
يعقد المؤتمرات ، ويرسم الخطط التكتيكية والاستراتيجية والسياسات ، ويجمع الأموال والارهابيين
ليكوّن تنظيمات ارهابية في فلسطين مطلع العشرينات ، مهمتها الاستيلاء على الارض
وتشريد العرب والتنكيل بهم ، وقتلهم بدم بارد أمام العالم الذي عانى من ويلات
الحرب ، ثم اصبح يدعو لحفظ الأمن والسلم ، واحترام سيادة الشعوب على ارضها ، خلال
مؤتمر باريس للسلام سنة 1919 ، الذي انبثقت
عنه هيئة دولية تدعو الى السلم العالمي تسمّى عصبة الأمم .. !! ولكن
يبقى السؤال مطروحا لماذا فشلنا ونجحت الصهيونية ..؟؟ والواقع ، رغم أن الاجابة
يمكن أن تحتمل عدة تفسيرات وتاويلات ، الا أن الثابت هو أن الحركة الصهيونية كانت تتبع
دائما أساليب علمية في كل مراحل نشاطها
المعادي لنا ، أهمّها :
ـ وحدة الآداة ،
ووحدة الاستراتيجيا ووحدة القيادة ، التي تتحقق بها وحدة الهدف ، ولو بتحركات
مختلفة لكل فروع التنظيم وعناصره
، الذين تجمعهم في الأصل خطة واحدة مرسومة مسبقا ..
ـ اعتماد التخطيط
الشامل على المدى القريب والبعيد ، والخاضع بصرامة لقوانين ومؤسسات وأجهزة معقدة
تراقب وتراجع وتحاسب وتصحح الاخطاء ، وهي من أهم العوامل الضامنة للنجاح ، حيث يقع
وضع الحسابات لكل طارئ ، فلا وجود للصدفة أو
للعمل العشوائي الخاضع لمزاج الافراد الا وفقا لما يقتضيه العمل الضروري لتحقيق
الاهداف .. باختصار ، حضور الاسلوب العلمي هو سر النجاح عندهم ، وغيابه هو
الداء عندنا ..
( نشرية القدس العدد 200 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق