روابط الأجزاء :
تـقديــــم / الجـــزء 1 / الجـــزء 2
الجــزء 3 / الجــزء 4 / الجــزء 5
الجــزء 6 / الجــزء 7 / الجــزء 8
الجـزء 9 / الجـزء 10 / الجزء 11
الجـزء 12 /الجزء 13 / الجزء 14
الجـزء 15 / الجزء 16 / الجزء 17
الجزء 18 / الخاتمة / المحتوى كامل
فرز واحد ... أم فرز متعدّد ... ؟
دراسة في أقوال ومواقف الدكتور عصمت سيف الدولة .
-8-
ما يؤكد أن العقيدة القومية من أهم معايير الفرز عند عصمت سيف الدولة هو رجوعه لهذا الموضوع في دراسة بعنوان "الوحدة بين القومية والاقليمية" نشرت عام 1970 في مجلة الفكر المعاصر عدد 70 ، جاء فيها تفصيل طويل وبيان واضح لأسباب الفشل في تحقيق الوحدة العربية ، مؤكدا على هذا الجانب الذي استطاع من خلاله تصنيف الوحدويين الى قوميين واقليميين .. فبعد أن يطرح السؤال : " لماذا يعجز الوحدويون في الوطن العربي بالرغم من أنهم يمثلون أعرض الجماهير العربية ، وتنتمي اليهم أخلص وأصلب الفصائل الثورية ، لماذا يعجزون عن تحقيق الوحدة العربية ؟ " .. وبعد أن يستعرض الإجابات المتداولة والمتعلقة بالعناصر الخارجية (الرجعية والاستعمار والصهيونية) متناولا تأثير مثل هذه العناصر على الأمم الأخرى في تحقيق وحدتها ، يقرّ بأنه " قول صحيح لكنه غير كاف لفهم المشكلة " .. ثم بعد أن يستطرد في توضيح طبيعة القوى المعادية بكل أنواعها يقرّ من جديد ثم يقرّر بأن القوى المعادية " معوّق للوحدة ، وهي معوّق طبيعي بحكم منطق العصر الذي نعيش فيه ، ولكن جوهر المشكلة لا يكمن في صفوف القوى المعادية للوحدة ، بل يكمن في صفوف القوى الوحدوية نفسها " .. ويضيف مباشرة : " ان اتهام القوى الوحدوية في الوطن العربي بأنها هي المسؤولة الأولى عن الإبقاء على التجزئة ، اتهام خطير لا يمكن أن نتحمل مسؤولية إعلانه بدون أن نطرح مبرّراته العقائدية " ..
وهكذا يعود بنا عصمت سيف الدولة لاستعراض خمسة أسس مفصّلة للعقيدة القومية ، التي ينتهي على أساسها الى تعريف الوحدويين القوميين قائلا : " فهم لا يهابون مخاطر النضال لأن هذا هو قدرهم التاريخي . ولا يقبلون عن الوحدة بديلا لأنهم يعرفون أن التاريخ قد تولّى حرق كل البدائل . ولا تلهيهم الانتصارات الإقليمية المؤقّتة لأنهم يعرفون أنها زائلة . ولا يخافون متاعب الوحدة لأنهم يعرفون أن في الوحدة تعويضا لكل المتاعب . ولا يتنازلون عن الوحدة الشاملة لأنهم يعون أن التاريخ الذي كوّن الامة العربية قد رسم حدود دولتها القومية.
أولئك الوحدويون القوميون .
ولو كان كل الوحدويين قوميين لتحققت الوحدة منذ وقت بعيد .. ولكن المشكلة في حقيقتها أن ليس كل الوحدويين قوميين".... ثم يطرح السؤال : " كيف ؟ "..
... وفي الإجابة عن هذا السؤال نصل معه الى تعريف ما يسمّيهم بالوحدويين الإقليميين ، وقد وردت الاشارة اليهم في كتاب الطريق كما ذكرنا سابقا .. ثم تأتينا الإجابة كاملة - من وجهة نظر عصمت سيف الدولة - عن أسباب الفشل في تحقيق الوحدة ، وعن طبيعة العملية التي يقوم عليها الفرز بين الوحدويين القوميين والوحدويين الإقليميين حتى يتمكن القوميون من بناء التنظيم القومي الذي يقتصر عليهم :
" ان الإجابة على هذا السؤال أولى بانتباه كل القوى الوحدوية القومية . لأن فيها – كما أعتقد – نكتشف حقيقة المشكلة وقد نهتدي الى الحل .
فقد عرفنا من قبل أن الأمة العربية وجود تاريخي موضوعي ، وأن وحدة المصير القومي تعني أن ثمة علاقة موضوعية بين كل المشكلات التي يطرحها الواقع القومي ، وأنها بذلك لا تحل الا في اطار المصير القومي الواحد . وقلنا أن هذا كله لا يتوقف على معرفة الناس به . فسواء عرفوه أم لم يعرفوه ، هو قائم في الواقع الموضوعي . مؤدى هذا أن الامة العربية كوجود تفرض ذاتها على الإقليميين في الوطن العربي أرادوا هذا أم لم يريدوه . فاذا بكل دولة إقليمية تجد نفسها ، بعد محاولات الهرب من المشكلات القومية ، وتجاهل الوحدة الموضوعية بين تلك المشكلات ، تجد نفسها مضطرة الى أن تشارك في معارك المصير العربي . وكذلك يجد أنفسهم كل الإقليميين الذين يستهدفون غايات إقليمية سواء على المستوى التحرري أو المستوى الاشتراكي . أي يجرهم ويجبرهم الفشل من محاولات الإفلات بمصائرهم الخاصة على أن يقبلوا مرغمين دخول المعارك الدائرة حول المصير القومي الواحد ، ومنها معارك الوحدة .
فاذا بقطاع كبير من القوى التي ترفع شعار الوحدة ، من الإقليميين يرون في اختلاطهم بالقوى الوحدوية القومية كسبا لجهد يختلسونه بادعاء الوحدة . ويشاركون فعلا في معارك الوحدة ولكن من منطلقات إقليميه . ونعرفهم من نوع الدولة التي يقدّمونها تبريرا لموقفهم "الوحدوي" . فالوحدة عندهم مقرونة بمكاسب سياسية واقتصادية واجتماعية تحل مشكلاتهم الإقليمية . وهذا كما عرفنا صحيح . فالوحدة تحل مشاكل الإقليم . ولكن النضال من أجل الوحدة شيء اخر . انه صراع وتضحيات ومتاعب وهزات في الكيانات الإقليمية تقتضيها عملية لالتحام . وهنا عندما يطرح النضال من أجل الوحدة متاعبه ، وقبل أن تقدّم الوحدة عطاءها يتراجع الوحدويون الاقليميون ، ويخونون ، ويوقفون المسيرة كلها دون غايتها ، لأن غايتها عندهم أن تضيف الى ما عندهم لا أن تقتضي منهم التضحيات اللازمة لبنائها . فترى القوى الوحدوية كلها مشلولة ، ومتوقّفة ، أو مرتدّة عن غايتها العظيمة . وترى دعاة الوحدة يستعينون بالأمة العربية كلها ، باسم القومية وباسم وحدة المصير ، ليحرّروا قطعة من أرض الوطن العربي ، والأمة العربية تبذل وتعطي وتضحّي ، حتى اذا ما تحرّر شبر وثب اليه أحد "الوحدويين" وأقام عليه دولته ورفع علما أكثر تزويقا من أعلام الاخرين ، وانقلب من مناضل الى حاكم . وقد تكرّرت هذه المأساة المهزلة في التاريخ العربي الحديث أكثر من مرّة . وذهب بعض الذين وصلوا الى النصر في معركة التحرير بالتضحيات الصّامتة التي بذلها الشعب العربي في أقطار أخرى الى حد معاداة القومية والارتداد الى أخطبوط علاقات الرأسماليين .
هذا واقع كلنا نعرفه .
وعليه فأقول بمنتهى الوضوح ، ان مشكلة القوى الوحدوية القومية أنها انخدعت في الإقليميين . يرفعون شعار الوحدة ، ويستغلون طاقات الأمة العربية في تحقيق غاياتهم الإقليمية . فارتضت بين صفوفها كل من قال أنه يستهدف الوحدة بدون أن تسأل لماذا اختار وأية وحدة تلك التي اختارها . فاذا بالناس في الوطن العربي ، كل الناس تقريبا ، فيما يزعمون ، وترى الناس في كل مكان في الوطن العربي يهتفون بالوحدة ، ويتظاهرون من أجلها ويصفّقون لدعاتها ويقسمون بأغلظ الايمان أنهم قابلون التضحية حتى بالحياة من أجل تحقيق الوحدة . فاذا جاء وقت التضحية لا بالحياة ، بل بما هو أقل من هذا بكثير ، أداروا ظهورهم وأصمّوا اذانهم واستكبروا استكبارا . فاذا بكل النضال الوحدوي قائم على حسابات وهمية في قواه ، فيتراجع أو ينهزم .
هذه هي المشكلة كما أراها .
انها اختلاط القوى الوحدوية القومية التي تستهدف الوحدة من منطلق قومي عقائدي ولا تعلق الوحدة على شرط ، بالقوى الإقليمية الانتهازية التي تستهدف الوحدة بشرط الحفاظ على مصالحها الإقليمية أو تنميتها على حساب الشعب العربي . وطالما بقي هذا الاختلاط قائما ، وطالما خشي الوحدويون القوميون فرز الصفوف ، وطالما تستروا على الخيانات يلمسونها بأيديهم كل يوم من الوحدويين الانتهازيين لن يستطيعوا على أي وجه أن يلتقوا فيلتحموا في تنظيم قومي مقصور عليهم ، مطهّر تماما من الفكر الإقليمي ، والولاء الإقليمي ، والمصالح الإقليمية ، والأهداف الإقليمية ، وقبل هذا من العقلية الإقليمية . وبغير هذا التنظيم القومي الثوري لن يستطيع الوحدويون القوميون فرض الوحدة على كل أعدائها ، وسحق كل القوى التي تقف في طريقها ، في صراع مفتوح لا تردّد فيه ولا تراجع عنه ، ثم الصبر على متابعته وتضحياته الى أن تتم الوحدة الشاملة .
هذا اجتهاد في حل مشكلة معقّدة ، لا نزعم أنه القول الأخير . ولكني أزعم أنه ممّا أرى صحيح وليست العبرة بما يزعمه كل واحد من صحة في رأيه ، ولكن العبرة بأن نجتهد جميعا حتى نكشف الحل الصحيح الذي يتوقف عليه مصير أمتنا " ...
اجتهاد مهم وفيه تأكيد صريح على فرز صفوف القوميين
الوحدويين الصادقين من الإقليميين أولا ومن "الوحدويين" الانتهازيين ثانيا
حيث الانتهازية والنفاق والانحرافات الأخلاقية سلوكات بشرية ، وليس البشر
بالملائكة .. ولهاذا يبقى الفرز لازما قبل التنظيم القومي واثناءه وبعده ، ومستمرا
في دولة الوحدة وهياكلها ومؤسساتها المدنية والعسكرية وفي كل الدول بوجه عام ..
ولكن المقصود في هذه المرحلة ، هو أن يتم ذلك الفرز من أجل تحقيق غايته الأولى :
بناء الحركة العربية الواحدة ..
(القدس - م .ع / فيفري 2018).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق