روابط الأجزاء :
تـقديــــم / الجـــزء 1 / الجـــزء 2
الجــزء 3 / الجــزء 4 / الجــزء 5
الجــزء 6 / الجــزء 7 / الجــزء 8
الجـزء 9 / الجـزء 10 / الجزء 11
الجـزء 12 /الجزء 13 / الجزء 14
الجـزء 15 / الجزء 16 / الجزء 17
الجزء 18 / الخاتمة / المحتوى كامل
فرز واحد ... أم فرز متعدّد ... ؟
دراسة في أقوال ومواقف الدكتور عصمت سيف الدولة .
خاتمة
إن الحركة القومية - وهي موحّدة على الحد الأدنى "هدف الثورة في الأقطار العربية" دون وحدة تنظيمية ـ قد ساهمت منذ عقود في مواجهة استبداد الأنظمة العربية في مختلف الأقطار ، وقد تمكنت فعلا ـ مع قوى وطنية أخرى ـ من تحريك الشارع حتى الوصول به إلى تحقيق خطوة هامة ومصيرية بالنسبة لمستقبل الأمة ، وهي الإطاحة بالديكتاتورية وتخليص الجماهير العربية من عقدة الخوف ، من خلال مشاركتها الواسعة في انجاز مهمتين متقدمتين من مهام الثورة العربية الشاملة هما ثورتي تونس ومصر ، إلا أن إخفاقها في الوصول بالثورة الى أهدافها في كلا القطرين وسيطرة القوى الرجعية عليهما ، كان علامة واضحة على ضعفها وفشلها بعد أن صارت حركتها تتجاذبها المتغيرات وتفاصيل الأحداث متناسية أهدافها الجامعة حتى صارت شللا وأحزابا في الصفوف الخلفية أو خارج المشهد تماما ..
للأسف هذا هو واقع الحركة القومية التي لم يبق لها - أمام جسامة المرحلة الحالية بكل ما فيها من أخطار داهمة ، ومن تهديد لمستقبل الأمة في ظل وحشية الحركة الصهيونية وتكالب القوى الاستعمارية ، وتأجيج الفتن التي أصبحت تعصف بوحدة الوجود القومي - إلا فرز واحد ممكن في المستقبل القريب مضمونه الوحيد : استرداد مصر ... وتلك هي المهمّة الثورية الرئيسية القادمة الممكنة موضوعيا للحركة الثورية الوحدوية على طريق الحركة العربية الواحدة على وجه التحديد ، وقد يكون في افتكاك غيرها من المواقع فائضا مضافا لمكاسبها ..
نعم مصر التي اكتشف فيها عبد الناصر بسهولة البعد القومي في أمنها واستقرارها ، وبقي يتصرف طوال حياته على أساس مشروع الوحدة كما عاشه في الواقع وهو مسؤول على اكبر دولة عربية : وحدة الجغـرافيا ووحدة التاريخ ، كإطار للوعاء الذي أصبح بالممارسة الحية والجهد الخلاق يفيض بتلك الأفكار الرائدة للمشروع القومي الذي مثل فيه وعي عبد الناصر الراسخ والعميق بالتاريخ والانتماء الحضاري حجر الأساس .. وهو ما أسهم فعلا في تحويل سياساته إلى مهمات كبرى لا تخص مصر وحدها بل تهم أمة بأكملها جمعها عبد الناصر حينما أحس وأدرك أن وحدتها تقوم على وحدة مشكلاتها ومصيـرها ، مدركا في نفس الوقت الدور الريادي لمصر الذي حولها إلى قاعدة متقدمة للنضال العربي على مدى عقدين كاملين ..
استرداد مصر لامتها .. كقاعدة للنضال القومي وحاضنة للمشروع الوحدوي بحكم موقعها وطبيعتها ودورها التاريخي المعهود ، يعتبر مهمة عاجلة ، وضرورية لإنجاح المشروع القومي في مثل هذه الظروف التي تمر بها الأمة العربية بعد حالة الانكسار واليأس التي عاشتها على مدى عقود متتالية دون تقدم ملحوظ نحو مشروع الوحدة المنشود .. فقد كان غياب السلطة المركزية على المستوى العربي منذ عهد الدولة العثمانية ، ثم تقسيم الوطن العربي واحتلال أقطاره ، وتسليمها بعد ذلك إلى الأنظمة الإقليمية الرجعية ، من أكبر أسباب الفشل في تحقيق الوحدة القومية ، وفي تحقيق التقدم والرخاء رغم العديد من المحاولات والتضحيات التي عرفتها الأمة .. وقد زاد هذا الفشل في ظل تغوّل القوى الإقليمية والرجعية بمختلف ألوانها ، وهي تعمل على توظيف ما تملكه من إمكانيات ووسائل مادية وإعلامية وقانونية ودينية لمحاصرة المشروع القومي وتشويهه ..
لكن الحركة القومية لن تتقدم ولن تتطور ولن تبلغ أهدافها أبدا ، وهي مجزأة ، ومشتتة مهما تصور الصادقون فيها أنهم على حق ..
والحركة القومية لن تتوّحد أبدا إلا بحركة إرادية واعية من القوميين الصادقين الملتقين على الحد الأدنى من الأهداف القومية المرحلية .. بحيث تكون الغاية من الفرز في هذه المرحلة الوصول إلى تحقيق أهداف واضحة تساعد على بناء الحركة العربية الواحدة ولا تستعجل هدف التأسيس قبل افتكاك قاعدة محرّرة تحتضنها وتدعمها وتوفر لها كل أسباب النجاح والأمن والحماية حتى يشتد عودها وتشق طريقها بالأسلوب الذي تراه مناسبا ..
ان الحركة القومية في هذه المرحلة أمامها مشكلات التجزئة في الوطن العربي ، وأمامها مشاكل الاستعمار والاحتلال والغطرسة الصهيونية ، وأمامها مشكلات التخلف والقوى الرجعية والرأسمالية المتوحشة .. فمن الغباوة بمكان أن لا تفكر في الوحدة ولو في حدها الأدنى : وحدة الصف على أساس الثوابت مع الجدل والحوار حول المتغيرات ، كمرحلة مهمة وضرورية هي عبارة عن مرحلة انتقالية يتم فيها التحول من التعدد السلبي إلى التعدد الايجابي ، أو مرحلة " التعدد الذي يسبق الوحدة " ، بكل ما في ذلك من معاني ، وأهداف سامية ، وبكل ما يقتضيه من تغيير في العقلية ، والسلوك ، والأسلوب نحو التكامل والوحدة .. وحدة الصف ولو على هدف واحد ممكن الانجاز متمثلا في افتكاك قاعدة محرّرة من الرجعية تؤازر حركتها وتحميها وتفتح لها أفاق التفاعل على المستوى القومي لفرز صفوفها وكوادرها التي ستؤسس حركتها القومية : الحركة العربية الواحدة .. حيث يبقى تحوّل الحركة القومية إلى حركة جماهيرية شعبية قادرة على تحقيق أهدافها الإستراتيجية رهين الشروط المتصلة بطبيعتها القومية ذاتها ..
أي عندما تتحوّل أولا إلى حركة قومية واحدة ، تجعل المواطن العربي في أي قطر ، يشعر بأنها تمثله فعلا وهي حركة موحدة هدفها الوحدة ..
وعندما تتحوّل ثانيا الى حركة قومية ملتحمة بقضايا أمتها الحيوية التي تهدّد أمنها ووجودها ذاته .. أي حينما تكون منسجمة مع طبيعتها القومية في الدفاع عن وجود الأمة التي تسعى إلى توحيدها .. فيكون لها وجود في أماكن المقاومة والقتال ضد أعدائها ، مثلما يكون لها تواجد في مواقع السياسة والانتخابات .. أو بمعنى آخر حينما تكون لها يد تبني ، ويد تحمل السلاح ، ليشعر بدورها الفاعل كل من له مصلحة في وجودها ووقوفها إلى جانبه ..
وعندما تتحوّل ثالثا إلى حركة ديمقراطية فعلا ، يعرف كل إنسان داخلها أو خارجها أن الجدل الذي يتحدثون عنه كقانون نوعي خاص بالإنسان ، ليس له أي لزوم أصلا ، إلا لإدارة الاختلاف .. ومعناه أن لا تطور ، ولا وحدة ، ولا قوة تنظيمية إلا بالديمقراطية الحقيقية ، التي تبدأ بمساهمة الجميع في طرح المشكلات ، ومساهمة الجميع في تقديم الحلول ، وتنتهي بالتزام الجميع بتنفيذ الحل الأغلبي .. فلا تشكيك ، ولا شتائم ، ولا استقالات ، ولا انقسامات ، ولا إقصاء الا للمندسين والانتهازيين والمخربين ..
ثم وهذا على قدر كبير من الأهمية ، وربما قبل ذلك كله ، حينما يصبح لها قاعدة ثابتة تتحرك منها لتحقيق كل أهدافها ، وقد تكون تلك مهمّتها القادمة ..
استرداد مصر في المستقبل القريب يمكن أن يكون خطة إستراتيجية مرحلية مهمّة بالنسبة للحركة القومية .. ولا شك أن استرداد مصر لدورها القومي سيكون الشرارة الأولى لميلاد الحركة العربية الواحدة على تلك الأسس والمبادئ التي عرضناها طوال هذا الحديث ..
عندها ، وعندها فقط ، ستكون الحركة القومية هي الحركة الجماهيرية الأولى ، والقوة الضاربة في الوطن العربي كله ..
(القدس - م .ع / فيفري 2018).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق