القدس عنوانها وفلسطين بوصلتها

القدس عنوانها وفلسطين بوصلتها
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجزء الثالث عشر

روابط الأجزاء :

تـقديــــم / الجـــزء 1 / الجـــزء 2 

الجــزء 3 / الجــزء 4 / الجــزء 5  

الجــزء 6 / الجــزء 7 / الجــزء 8 

الجـزء 9 / الجـزء 10 / الجزء 11 

الجـزء 12 /الجزء 13 الجزء 14

الجـزء 15 / الجزء 16 الجزء 17

الجزء 18 / الخاتمة / المحتوى كامل  

فرز واحد ... أم فرز متعدّد ... ؟

دراسة في أقوال ومواقف الدكتور عصمت سيف الدولة .

-13-

مقابل هذه المواقف نختار أمثلة مختلفة تبين خلاف ذلك الموقف الحاسم حيث تبدو مواقفه العملية من تلك المسائل أقل بكثير من الموقف المبدئي في الناحيتين المشار اليهما معا ، أي كيفية نشأة التنظيم والتعامل مع الدولة الإقليمية .. فهو يتعامل هذه المرة مع الظروف والمتغيرات بالموقف القومي الممكن ، مما يجعل إمكانية القبول بسلامتها واردا طالما أنها لا تُطرح كبديل للحل القومي ..

وقبل ذلك سننطلق من هذا الموقف المتعلق بليبيا في عهد ثورة الفاتح ، وهي كثيرة تناولها الدكتور في كتابه حوار مع الشباب العربي من عدة زوايا .. لكننا اخترنا هذا المقال (مخاطر الإقليمية في ليبيا مثلا )  لأنه متداول على نطاق واسع بين القوميين ، ويحتجون به على بعضهم البعض ضد الإقليمية ، كما لو كان من وجهة نظر قومية ، وهو - كما نعتقد - استعمال غير دقيق  ، لان المقال بأكمله لم يتجاوز الدعوة للانتباه والتحذير من مخاطر الاقليمية وهو يساير الواقع من الداخل كما هو في ليبيا ، وقد عبر عن هذا مستعملا عبارة "لا بد من التنبيه" - كما سنرى - في آخر المقال .. اذ لو كان الموقف من وجهة نظر قومية لاتجه رأسا الى دعوة القيادة ومن حولها من القوميين الى السماح بإنشاء التنظيم القومي ..  وقد حصل هذا فعلا في مناسبة اخرى وهو يناقش كتّاب الشورى المعجبين بثورة الفاتح قائلا لاحدهم : " قلت انها تقود ولا تحكم ، وبذلك فهي في منأى عن تطويق الثورة بالدولة . هل أنت واثق ؟ ... هل تستطيع أي ثورة في أية دولة عربية أن تصدر قانونا يقول : استثناء من قوانين الدولة التي تحرم الأحزاب والمنظمات يباح للشعب العربي في الدولة والمقيمين فيها من أبناء الشعب العربي خارجها ، أن ينشطوا ، فكريا وحركيا لتأسيس الحركة العربية الواحدة ؟ " ..

بل اننا نجده يجيب إجابة صريحة في المقال بأن الغرض ليس البحث في أسلوب تحقيق الوحدة حين قال متسائلا ثم مجيبا : " لماذا لم تتحقق الوحدة العربية ولو جزئيا . ولسنا هنا في مجال الاجتهاد في الإجابة على هذا السؤال " .. ثم انتقل مباشرة للحديث عن بذور الإقليمية ومخاطرها وقد قام بحصر غرضه في شرح أربعة اسباب ..

انه اذن ، يكتفي - في هذا المثال الذي اخترناه - بالتحذير من نمو بذور الإقليمية حول القيادة مستعملا تشبيه الإقليميين المتربصين بالحشائش الطفيلية النامية ، مؤكدا أنها نامية فعلا في ليبيا ، وهذا منذ عام 1975 تاريخ كتابة المقال ، الذي ننقل منه المقتطفات التالية تأكيدا لهذه الفكرة : " نحن نضرب ليبيا مثلا في هذا الحديث عن مخاطر الإقليمية في ليبيا لأسباب عدة : السبب الأول هو ان ليبيا "الدولة" تحكمها قيادة قومية المنطلقات وحدوية الأهداف تتمثل في مجلس قيادة الثورة وقائدها . وكلهم ، المجلس والقائد ، كانوا ولا يزالون جزءا من تنظيم ثوري قومي المنطلقات وحدوي الأهداف هو تنظيم "الضباط الأحرار الوحدويين" الذي فجر ثورة الفاتح من سبتمبر . ومنذ الفاتح من سبتمبر 1969 يفرز الشعب العربي في ليبيا طلائع متزايدة من الشباب تحيط بالقيادة وتلتقي بها التقاء عقائديا خالصا ، التقاء على المنطلقات القومية  وعلى الأهداف الوحدوية معا ، وتلك هي الرابطة الوثيقة الوحيدة ، التي يلتقى عليها العقائديون . ان عملية الفرز هذه ، أعني فرز طلائع من الشباب القومي الوحدوي ، لا تزال مستمرة ، يساعدها مناخ عارم من الديمقراطية الشعبية "المباشرة" البسيطة غير المعقدة بيروقراطيا .." ... فضلا عن طبيعة المجتمع في ليبيا وظروفه البيئية "البدوية" وتقاليده وتراثه الحضاري الخ .... ثم ينتقل الى السبب الثاني الذي وضعه تحت عنوان فرز القوى الإقليمية ، وقد جاء فيه : " السبب الثاني هو أن ما يجري الان في ليبيا ، كما يفرز طلائع قومية وحدوية متنامية ، يفرز قوى إقليمية متنامية أيضا . وليس في هذا أي تناقض . ذلك لأنه وليد تناقض أصيل بين الدولة والقيادة ..." .... ويواصل في شرح طبيعة الدولة الإقليمية كما هي معروفة إدارة وقانونا ومؤسسات في الداخل والخارج مفروضة على القيادة القومية والشعب ، وكل هذا الواقع الإقليمي - كما قال - " حينما يحدّد ويضبط حركة الأفراد ونشاطهم يحدّد في الواقع مصالحهم العينية المتحقّقة ويتحكمّ الى حد كبير في مصالحهم المستقبلية المأمولة ، ويروّضهم ، من خلال تلك المصالح ، فكريا ونفسيا على قبول الدولة كأمر واقع حتى لو كانوا يرفضونها عقائديا واستراتيجيا .." .. ثم ، وبعد أن يتحدث مطوّلا عن " التناقض كما يبرز في ليبيا " بين القيادة القومية والدولة الإقليمية وهو عنوان هذا الجزء من الحديث ينتقل الى محاور اخرى متنوّعة ننقل منها فكرتين لأهم ما جاء فيها : الفكرة الأولى تتعلق بالحاضر ، حيث يجب التنبيه الى المخاطر التي تهدد هذا الزخم الوحدوي متمثلة في القوى الإقليمية النامية في ليبيا قائلا : " ومن أجل هذا كان لا بد من التنبيه الى مخاطر الإقليمية في ليبيا لأنها نابتة فعلا ، ومتسللة فعلا ، ومتسلقة فعلا ، وان كانت ضعيفة فعلا أيضا . وكان لا بد من ان تكون ليبيا مثلا لأن تجارب مريرة أخرى ، في أقطار عربية أخرى ، لم تنتبه الى مخاطر الإقليمية يوم ان كان الزخم قوميا ، أو انتبهت واستهانت بها ، حتى نمت فامتصت غذاء الأصل وأحالت الحقل القطري الى حقل إقليمي " .. والفكرة الثانية تتعلق بالمستقبل حيث : " ثمة فصائل ممن ينتسبون الى الخط القومي التقدمي أو ينسبون انفسهم اليه ، يناضلون في ظروف بالغة الصعوبة من أجل اسقاط الإقليميين في أقطارهم ، ويرشحون أنفسهم لسلطة بديلة تحت العناوين القومية الوحدوية . وليس من المستبعد ، ولو بسبب فشل الإقليميين الذي لا علاج له ، ان تصل بعض تلك الفصائل الى مواقع السلطة حاملة معها وعود التقدم والوحدة ، حينئذ سيكونون في أشد الحاجة الى الحديث الذي ننبه به الان ، ومن الان ، الى مخاطر الإقليمية ، ونضرب فيه ليبيا مثلا " ..

وهل يعقل ان يترك القوميون التقدميون الوحدويون السلطة في أقطارهم للإقليميين ؟

أبدا .. لأن التنظيم القومي نفسه لا يستطيع تحقيق أهدافه الا من موقع متحرر يحكمه القوميون العقائديون ، المخلصون لمشروع دولة الوحدة الديمقراطية الاشتراكية .. لذلك ، ودائما في اطار التأكيد على الاجتهاد من خلال الموقف القومي الخاضع للظروف كما في هذا المثال ، وهو جواب يأتينا من الدكتور عصمت سيف الدولة من كتاب الاسلوب : " ان تأكيد عجز القوميين التقدميين الحاكمين عن تجاوز الوجود الاقليمي للدول التي يتولون السلطة فيها ، أو قصور الدولة الاقليمية عن ان تكون اداة لتحقيق دولة الوحدة الاشتراكية الديموقراطية هو دعوة مثالية الى أن يمتنع القوميون التقدميون في كل دولة عربية عن تولي السلطة فيها الى ان تقوم دولة الوحدة ، وهو ما يعني تماماً ترك الشعب العربي في تلك الدولة تحت رحمة القوى الاقليمية الرجعية .

انه اعتراض لا يصدر إلا من مثالي يتصور ان دولة الوحدة الاشتراكية الديموقراطية لا تقوم الا بقرار من سلطة حاكمة في إحدى الدول العربية . أو انها تقوم بضربة واحدة ولو من بضعة دول عربية متحالفة . وهذه اوهام . انما تقوم دولة الوحدة الاشتراكية الديموقراطية كخاتمة لنضال القوميين التقدميين في ظل التجزئة في ساحات متفرقة ضد قوى متباينة من اجل غايات جزئية ومرحلية لا حصر لها . كلها مهما يكن مضمونها ومهما تكن ضآلة اثرها خطوات على الطريق الى الغاية العظيمة . ومن أعمق هذه الخطوات أثراً انتزاع سلطة الدولة من ايدي الاقليميين والرجعيين واستخدام قواها في انجاز مزيد من الخطوات على الطريق الى دولة الوحدة الاشتراكية الديموقراطية . استخدامها فيما هي قادرة عليه وما هي اداة مناسبة لتحقيقه . مثلاً : المساهمة عن طريق المشاركة والدعم والتأييد لقوى التحرر دفاعاً عن الوطن العربي والتحالف مع كل قوى التحرر من الاستعمار في العالم . اضعاف الآثار الاجتماعية للعزلة التي فرضتها التجزئة على الشعب العربي على مستوى الانتقال والعمل والثقافة والتعاون مع الدول العربية الاخرى على كل ما من شأنه إذابة رواسب الغربة على المستوى الفكري ومستوى الممارسة . حتى جامعة الدول العربية يمكن أن تكون أداة يستخدمها القوميون في تحقيق ما هي قادرة على تحقيقه وخاصة على المستوى الاعلامي . أما في الداخل فثمة المجال الأولي والمرحلي لترجمة النظرية القومية الى واقع حي بقدر ما تطيق الدولة ولكن بكل ما تطيق : تحرير الشعب العربي من كافة اشكال القهر السياسي والاقتصادي المفروضة عليه ، وتصفية القوى الرجعية تصفية شاملة وكاملة . تحرير الشعب العربي من سيطرة الفكر المعادي للقومية والوحدة وتصفية القوى الاقليمية تصفية شاملة كاملة . فرض سيطرة الشعب العربي على كل وسائل الانتاج والغاء الملكية الخاصة للأرض ولكل وسائل الانتاج الاساسية وتوظيف كافة الموارد وعناصر الانتاج بأقصى قدر ممكن من الكفاءة طبقاً لخطة اقتصادية شاملة ، بحيث تخضع كل موارد الانتاج وادواته وقواه المادية والبشرية ، وأيا كان الشكل القانوني لها ، للقرار الاقتصادي الذي تتضمنه الخطة وتصفية كافة القوى المعادية للاشتراكية تصفية شاملة كاملة . حماية الشعب من الديكتاتورية والبيروقراطية بإتاحة أكبر امكانيات الممارسة الديموقراطية للشعب ، فلا قيود على المعرفة ولا قيود على الرأي ولا قيود على العمل الجماعي المنظم من اجل مزيد من التقدم الاجتماعي ، والانتباه الى مشكلة التخلف الموروث في الممارسة الديموقراطية بالتشجيع عليها ولو صاحبها الخطأ ، وتقديم امكانيات ممارستها ولو تعثرت ، والصبر على الشعب العربي حتى يتجاوز تخلفه المورث . ثم يبقى اخطرها جميعاً لأنه هو الذي سيحسم السباق الرهيب بين النظرية القومية التي يلتزمها القوميون التقدميون وهم في مواقع السلطة ، وبين الممارسة الاقليمية التي يبنون بها دولهم مادياً وثقافياً : إباحة وتشجيع ودعم وتأييد وحماية الحزب القومي الذي يتحمل وحده مسؤولية مواجهة العوائق الدستورية والدولية في سبيل الوحدة بنضاله المنظم على المستوى العربي كله بدون قيد دستوري او دولي بقصد الغاء الدول العربية واقامة دولة الوحدة الاشتراكية الديموقراطية " ..

وهل يمكن افتكاك السلطة من يد الإقليميين في غياب الحزب القومي دون أحزاب قطرية ، ثم ما هو معيار الحكم على صدق القوميين في السلطة من وجهة نظر قومية ؟

الجواب الخاص بالجزء الأول وجدناه متكررا في كثير من المراجع للدكتور عصمت سيف الدولة وعرضنا منه عينات كثيرة تتمثل في تشجيعه وتحريضه المتواصل للحزب الناصري في مصر ، وقد قام بأكثر من ذلك حين تولى مهمة الدفاع عن حقهم في التنظم أمام القضاء ، حتى أنه اعتبر مهمة الناصريين من تلك النواحي مهمة قومية كما سبق ذكره ..

أما ما يخص الجواب عن الجزء الثاني من السؤال فنأخذه من محاضرته المعروفة بعنوان " تنظيم قومي من أجل الوحدة الاشتراكية " حيث اعتبر ممارسة المؤسسات الاقليمية (الأحزاب) الساعية لتغيير الواقع بأساليبها الاقليمية محكا لاختبار مواقفها القومية في ظل غياب التنظيم القومي قائلا : " ثم يأتي المحك النهائي لصدقها فيما تعلن ، من أنها تستهدف الوحدة الاشتراكية . بإعلان موقفها الايجابي من التنظيم القومي التقدمي ، ومحاولات بنائه  .

انها ان تكون صادقة ، فلا بد من أن تكون مدركة وجودها ، ان كان يتفق مع ضرورات ما قبل التنظيم القومي ، فانه ليس بديلا عنه ، ولا طريقا اليه .

وعليها ان صدقت أن تعلن ، ثم تبدأ من الآن في تحضير أعضائها لمرحلة الانتقال من منظمات الضرورة ، الى التنظيم القومي . ولعل أفضل ما تعبر عنه عن هذا الصدق هو أن تسمح لدعوة التنظيم القومي ، بأن تطرح على قواعدها ، وكوادرها ، وأن تبيح لمن يشاء من تلك الكوادر أن يسهم في الدعوة اليه ، أو الاسهام في بنائه ، لأنها حينئذ ، ستكون مدركة الحقيقة ، حقيقتها ،  وحقيقة التنظيم القومي . انها ليست منظمات موازية له ، لا في المنطلقات ، ولا في الغايات ، ولا في القوى ، ولا في التركيب ، فهو لا يناقض وجودها ، ولكن يتجاوزه .

فهي منظمات الماضي ، وهو أداة المستقبل ".. 

اما المثال الذي نضربه في هذه الإضافة الخاصة بمواقف الدكتور عصمت سيف الدولة طبقا للموقف القومي "الحركي" الذي يخضع للظروف الموضوعية ولا يناقض أو يتعارض مع الموقف من وجهة نظر قومية ، يتمثل في قبوله لعرض القيادة في ليبيا في ما يخص تأسيس التنظيم القومي .. وهذا المثال يؤكد فعلا مرونة المواقف في التعامل مع الواقع اذا توفرت الشروط اللازمة للحفاظ على سلامة الأسلوب .. وهو أسلوب محدّد سلفا بالموقف من وجهة نظر قومية من حيث طبيعة النشأة بشرطيها القاعدية والديمقراطية .. وقد كان ممكنا ان يدفعه التشبث بشكل النشأة وخصائصها الى عدم الاستجابة للدعوة ، تاركا مهمة التأسيس للمؤمنين بالمشروع دون تدخل منه ، ودون اقحام القيادة في ليبيا في الموضوع .. وهو ما يعني أن الدكتور قد تجاوز المسألة الشكلية طالما انها تستجيب للهدف ولا تخالف المبدأ .. حيث أن اشراف القيادة لا يؤدي بالضرورة الى التحكم أو التدخل في أسلوب التأسيس .. وهذا الموقف جاء مفصلا في كتابه عن الناصريين واليهم : "…  وكنت قد تلقيت قبيل وفاة عبد الناصر دعوة من قيادة الثورة في ليبيا إلى زيارتها وإلقاء سلسلة من المحاضرات بمناسبة البدء في تنظيم الجماهير على غرار الاتحاد الاشتراكي العربي في مصر ، فلما غاب عبد الناصر اعتذرت عن عدم الوفاء بالزيارة لأسباب خلاصتها أن ما كان يمكن أن يقال في حياة عبد الناصر لم يعد قوله مجدياً بعد وفاته إذ أن الأمة العربية مقدمة على مرحلة مغايرة نوعياً لما كانت عليه . فجاءني رسول يحمل إلىّ تأكيداً للدعوة بحجة أن الزيارة قد أصبحت أكثر لزوماً من ذي قبل ، فزرت ليبيا لأول مرة في 20 اكتوبر 1970 ..

في أول لقاء مع أعضاء مجلس قيادة الثورة طرح عليّ سؤال لم أكن أتوقعه : كيف يمكن إنشاء التنظيم القومي الذي ما فتئت تدعو اليه مع التسليم بانه أصبح لازماً حيوياً بعد وفاة عبد الناصر ، فأجبت . والناصريون يسألون وأجيب ويسألون وأجيب إلى أن انتهى الحوار إلى اقتراح من جانبي بنقطة البداية : إعداد ” مشروع ” وثيقة فكرية تطرح على كل القوميين من الدارسين والمثقفين في الوطن العربي . ليبدوا آراءهم فيها مكتوبة خلال مدة معينة ، يقوم جهاز خاص بتلقي الردود وإعادة صياغة المشروع الأول على ضوء ملحوظات القوميين . ثم توجه اليهم دعوة لعقد مؤتمر تأسيسي تتم خلاله دراسة وبلورة وصياغة الوثيقة الفكرية لتعبّر عن المبادئ التي يلتقي عليها القوميين ويتميزون بها عن غيرهم من القوى ، ثم يضع المؤتمر لوائحه الداخلية التي تكفل أن يكون التنظيم فوق قيادته في كل الظروف ، وينتخب القيادة . ثم تبدأ المسيرة .." ..

قد تبدو هذه الخطوة المهمّة محكومة بالموقف المبدئي من وجهة نظر قومية دون أي لبس في ذلك ، لو لا علاقة المهمّة بقيادة دولة اقليمية حتى وان كانت قومية .. وقد يقول البعض معترضا ان آليات التأسيس التي طرحها الدكتور عصمت سيف الدولة في محاوراته مع القيادة في ليبيا هي نفس الاليات المطلوبة في بيان طارق ، حيث القاعدة الجماهيرية سنة 70 موجودة وجاهزة قبل وفاة عبد الناصر وتحت قيادته دون هيكل تنظيمي ، والكوادر القومية موجودة في الساحة القومية وقد سبقتها تجربة الانصار ، وكل الشروط المطلوبة في التأسيس من القاعدة الى القمة متوفرة .. وهذا كله صحيح .. لو لا وجود عنصر الدولة الاقليمية الذي ظل يحذر منه في كل كتاباته ولنا على ذلك دليلين :

الدليل الأول على صحة هذا الفهم هو الفشل الذي انتهى اليه الاتفاق حتى قبل ان يبدأ ، حيث انحازت قيادة الدولة الاقليمية في ليبيا بعد وفاة عبد الناصر الى التعامل مع قيادة الدولة الإقليمية الجديدة في مصر ، ففشل المشروع .. بل على العكس من ذلك ، لقد كان مع الانحياز صمت غير مبرّر للقيادة في ليبيا عن عملية التصفية التي قام بها السادات بعد ذلك للقيادات والرّموز الناصرية في مصر .. وهذا ما شهد به عصمت سيف الدولة نفسه حينما قال متعجّبا في رسالته الى تونس : "ولكن المفاجأة الحقيقية كانت تصديق الأخوة في ليبيا مزاعم السادات الوحدوية وانحيازهم إليه في صراع مايو 1971.  ولم يكن من مبرّرات ذاك الانحياز الا انه الرئيس الشرعي لدولة مصر . انه اذن تفضيل للتعامل مع الدولة "..

ولم يكن هذا هو الفشل الاخير الذي تحدث عنه الدكتور ، بل اننا نجده في مناسبة اخرى يذهب أكثر من ذلك في رد أكثر صراحة ووضوحا يحتج فيه بتجربة ثانية فاشلة على أحد الكتاب الذي طرح في مجلة الشورى فكرة التحام القوى الثورية في ليبيا مع الثوار العرب ، فأجابه متسائلا عن الأسلوب الذي يفرز الثوار : " لا شك أن الانسان الثوري ليس قليلا في الأرض العربية ، لكن من الذي يفرزه ؟ يعيّنه ؟ يختاره ؟ يحكم بأنه الانسان الثوري وليس الاخر ؟ هذه هي العقدة في المشكلة . هذه هي الثغرة في مقالك اليوم . ننتظر منك جوابا على هذا السؤال . ارجو الا يكون الجواب دعوة ليبيا الدولة أو الثورة الى الانتقاء والاختيار . لقد انتقت واختارت من قبل وكان مؤتمر القوى الوحدوية الناصرية الذي لم تبق منه الا ذكريات الفشل " .. وقد تم المؤتمر في طرابلس عام 1973 دون نتائج تذكر.

والدليل الثاني هو أن عصمت سيف الدولة بعد فشل كل محاولة يعود ليقول وحمدت الله على أن ذلك لم يحدث ، كما جاء في نفس الرسالة المذكورة ، والتي قام فيها بسرد تفاصيل التجربة المماثلة في مصر حينما أعلن عبد الناصر عزمه عن تغيير الميثاق الوطني وتحويله الى ميثاق قومي .. وقد أدى رفضه لاشراف أجهزة الدولة على بناء التنظيم القومي الى التصادم معها ، كما تسببت محاولته في تكوين القاعدة الشعبية للمشروع بعيدا عن أجهزة الدولة الى دخوله السجن سنة 1972 في بداية عهد السادات وتفاصيلها أيضا مذكورة في الرسالة .. لكنه في سياق الحديث عن علاقة التنظيم بالدولة الاقليمية ، نجده يسرد أحداث الانفصال بين مصر وسورية التي شهدت تعارض ارادتين في مواجهة الحدث : ارادة القيادة القومية التي بادرت عمليا بارسال قوات لمواجهة الانفصاليين ، وارادة أجهزة الدولة الاقليمية التي اعترضت على المواجهة فتم سحب القوات .. وفي هذا يتساءل عن كيفية الخروج من مأزق التناقض فيما لو كان التنظيم القومي موجودا تحت اشراف أجهزة الدولة فيقول معبرا عن سعادته بعدم وجود التنظيم في تلك الظروف : في يوم الانفصال المشؤوم عام 1961  كان رد فعل القائد القومي جمال عبد الناصر ردا قوميا . أصدر أمرا بالاستيلاء على كل مراكب النقل الموجودة في مواني مصر . أمر بشحنها بكل القوات المسلحة المتاحة . أمر الطيران بأن يحمل الى شواطئ الإقليم الشمالي كتائب من القوات الخاصة المحمولة جوا بقيادة الضابط جلال هريدي . أمر جلال هريدي بان يسقط قواته في اللاذقية ويؤمّن المواقع اللازمة لاستقبال الجند المحمولين بحرا . كان ذلك رد الفعل القومي من قائد قومي : فما الذي حدث ؟ بعد أن وصلت قوة المظليين وهبطت وقبل أن تصل القوات المحمولة بحرا صدر أمر بالراديو الی جلال هريدي بإلغاء "العملية" والاستسلام لقوات الانفصاليين . وصدر أمر بعودة  المراكب الى الموانئ وتفريغها من الجنود . وأعلن عبد الناصر الجريح قبوله الانفصال في مرثية تاريخية للوحدة الموؤودة . لماذا ؟ لأنه ما بين الصبح والمساء أحاطت الدولة بعبد الناصر . أعنى دولة مصر . لتضع تحت نظره کل ما اصطنعه رجالها من أسباب دوليه وعربية وسياسية واقتصاديه وماليه للنكوص الإقليمي عن المعركة القومية . فسحب عبد الناصر أوامره . فماذا لو كان التنظيم القومي قائما يقاتل في الإقليم الشمالي دفاعا عن الوحدة ضد الانفصاليين ...  هل ينفذ أوامر القائد القومي أم ينفذ أوامر رئيس الدولة . إننا نحمد الله - هكذا قلت - الذي لا يحمده على مكروه سواه أن التنظيم القومي لم يكن قائما حينئذ حتى لا يكون أداة تنفيذ سياسية " دولة مصر الإقليمية " بدلا من أن يكون أداة تنفيذ الثورة العربية الوحدوية . وحتى لا يتمزق التنظيم کما تمزقت أفئدة القوميين الذين كانوا يقاتلون ضد الانفصال في دمشق وحلب في انتظار الإمداد من عاصمة دولة الوحدة التي ناضلوا من اجل إقامتها . وان ذلك لدرس لا ينسى" .  

لكن من ناحية أخرى فان السؤال الذي يمكن أن يُطرح في علاقة بموضوع الحوار مع القيادة في ليبيا : هل كان احتمال وقوع مثل هذا الفشل غائبا عن ذهن الدكتور ؟

والجواب قطعا بالنفي  .. لأن الدكتور عصمت سيف الدولة  لم يترك طوال حياته جانبا سلبيا فيما يخص علاقة الدولة الاقليمية بالوحدة او بالتنظيم القومي لم يذكره أو يحذر منه .. وهو دليل اخر على أنه كان يتعامل مع الأحداث على خلفية الموقف القومي المرن سعيا منه لتحقيق المصلحة القومية دون خشية من أي فشل محتمل طالما أن تلك الخطوات لا تناقض المبدأ ولا تقدم تنازلا عنه .. والمهم أن يكون أي عمل تكتيكي في خدمة المبدأ والهدف الاستراتيجي وهو ما عبر عنه في الفقرة التالية من كتاب الاسلوب في علاقة بتحقيق الوحدة مع الاقليميين : " التكتيك هو الموقف أو الحركة المرحلية او المحلية التي يتم على مستواها الاشتباك بالقوى المعادية . وهي كما تكون موحدة اقليمياً تكون متنوعة من مكان الى مكان . وكما تكون هجومية تكون دفاعية . وكما تكون عنيفة تكون سلمية . وتختلف تبعاً لموقف وحركة القوى المعادية المشتبكة معها . وتستخدم فيها الوسائل الكافية لشل مقدرة القوى المعادية على الحركة ثم تصفيتها ، وبالتالي لا يمكن حصر لا المواقف ولا الحركات ولا الوسائل التكتيكية ، كل ماهو مطلوب في التكتيك ان يكون في خدمة الاستراتيجية وفي نطاق الالتزام بها . وهذا بالغ الأهمية وإلا انهار الأسلوب كله . فمثلاً ، التحالف او التعاهد أو التعاون مع القوى الاقليمية ( جبهة بين القوى الجماهيرية ، إو إتحاداً بين الدول ) تنفيذاً لاستراتيجية قومية يكون خطوة تكتيكية الى الوحدة . ولكنه إذ يتم بعيداً عن هذا الالتزام يكون خطوة اقليمية معادية للوحدة" ..  كما عبر في مناسبة أخرى ، على أن الوحدة مسألة مبدئية لا يجب على القوميين رفضها حينما يطلبها الاقليميون على أن تكون بشروط القوميين كما جاء في هذا القول الحاسم الوارد في كتابه "حوار مع الشباب العربي" مؤكدا – لمحاوره في مجلة الشورى - على مبدئية الموقف وصحته حين قال : "ان الاقليمين الفاشلين الذين يتذكرون الوحدة كإنقاذ لهم من الفشل كثيرون في الوطن العربي . ولكن الوحدويين الثوريين لا يرفضون الوحدة ولا يدينونها ولا يتراجعون عنها ولو عرضها الحكام الفاشلون . لأن الوحدويين الثوريين لا يتوقعون من الإقليمية الا الفشل . كل ما في الأمر ، يا أخ عبد الله ، أن الوحدويين الثوريين يقبلون الوحدة التي يعرضها الفاشلون بشروطهم هم . شروط الوحدويين الثوريين وليس شروط الإقليميين الفاشلين . انهم يعتبرون تقدم الإقليميين الفاشلين بعروض الوحدة هو تقدم المهزومين بعروض الاستسلام . عندئذ يتذكر الوحدويون الثوريون أن ضحايا الفشل ، ودافعي ثمنه ، هم جزء من الشعب العربي ، فيفرضون شروطهم . وشروطهم هي دائما أن تتم الوحدة لحساب الجماهير العربية بحيث تحل تناقضاتها مع حكامها لا مصالحة وسطية ولكن لمصلحة الجماهير وانتصارا لها . هذا هو الموقف المبدئي يا أخ عبد الله ، ومن أجل الانتصار لهذا الموقف المبدئي الصحيح يختار الوحدويون الثوريون عشرات المواقف التكتيكية المنضبطة به المؤدية اليه ولكنهم لا يفرون ولا يتخلفون عن غايتهم : الوحدة " .. وانه لا شك قول حاسم يجيب عن كل التساؤلات السابقة ويوضح طبيعة الموقف .. فتحويل الوحدة لصالح الجماهير موقف مبدئي ، لكن العمل على تحقيقها مع الإقليميين موقف تكتيكي وليس استراتيجيا ..    

الموقف الثاني يتمثل في تفاعله الإيجابي مع اتفاق بني غازي بين مصر وسوريا وليبيا لإقامة اتحاد ثلاثي عام 1971 ، يتضمن تعهدا تلتزم فيه دول الاتحاد بالسعي لإنشاء الحركة العربية الواحدة ، وقد أدى الاتفاق الى لقاءات واستفتاءات شعبية ووضع مواثيق اتحادية بقيت حبرا على ورق .. فهل كانت مثل هذه النهايات خافية على الدكتور عصمت سيف الدولة حتى يبارك هذه الخطوات ؟ والجواب نأخذه منه مباشرة وهو يشرح كيف جاءت وثيقة بني غازي ودستور الجمهوريات العربية  بين مصر وسوريا وليبيا  متضمنا لـ : " ضرورة تهيئة المناخ لقيام الحركة العربية الواحدة ، بالدعوة لقيامها ، وبالحوار الفكري لإنضاج نظريتها ، وبالإعداد البشري في إطار المنظمات القائمة لتجهيز كوادرها . إن هذا الأسلوب كأي حل صحيح ، لمشكلة واقعية يصل إليه الناس ، إما عن طريق الوعي والدراسة العلمية ، وإما عن طريق التجربة ـ لا يهم ـ المهم ، أنه بعد وفاة الرئيس عبد الناصر ، أصبحت دولة اتحاد الجمهوريات العربية الناشئة ، بكل رؤسائها ، وحكوماتها ، ومؤسساتها السياسية ، وجماهيرها ، من “ الأنصار”، لأنهم جمعياً قد التزموا في مباحثات  بني غازي بأمرين ، الأول : تأجيل إنشاء الحركة العربية ، والثاني : الإعداد لإنشائها في الوقت ذاته .. إن كلاً من الاتحاد الاشتراكي في مصر العربية ، وفي ليبيا ، وحزب البعث والأحزاب المشتركة معه في الجبهة في سورية ، كل هذه المؤسسات قد أصبحت تنشط في خطوط محدّدة  :

أ ) أن ليس أي منها هو الحركة العربية الواحدة ، ولا البديل عنها ، وبالتالي كما نص ، في "إعلان بني غازي" لا ينبغي لأي منها أن تنشط خارج حدود دولتها . لقد اعترفت كل منها بحقيقة ماهيتها الإقليمية .

ب ) أن تكون معاً "جبهة" إلى أن تقوم الحركة العربية الواحدة ، وهو ما يعني أن الجبهة ، صيغة مؤقتة ، وأنها ليست البديل عن الحركة العربية الواحدة  .

جـ ) أن تعمل جميع تلك المؤسسات "من حزبية ومؤسسات دولة في الدول الثلاث" على تهيئة المناخ لإنشاء الحركة العربية الواحدة ، وهو ما يعني أنها هي كمؤسسات ، وأحزاب ، وجبهة ، ليست الجهة التي تقيم الحركة العربية الواحدة . إنهم جميعاً قد اهتدوا إلى "بيان طارق" ، والتزموا به ، بدون أن يعرفوه ـ اهتدوا إليه عن طريق البحث عن الحل الصحيح لمشكلة قومية قائمة ، وتبنوا أسلوبه .." . (د.عصمت سيف الدولة / ملاحظات للدفاع في الجناية 37 لسنة 1972 ـ عرض أ ـ حبيب عيسى) .

وفي هذا أيضا قد يعترض البعض على أن الموقف هنا محكوم بأسلوب الدفاع أمام النيابة لدحض التهم من النواحي القانونية .. وهذا الاعتراض يكون مقبولا لو لم يرد نفس المضمون في كتاب الأسلوب بالفقرة 74 متضمنا أيضا جملة من الاعتراضات المتوقعة على الموقف من وجهة نظر قومية بخصوص أسلوب تحقيق الوحدة كما يراه الدكتور عصمت سيف الدولة ، ومتضمنا رده - في نفس الوقت - عن الاعتراضات الخاصة بالتجارب الوحدوية السابقة ، نذكر منها ما يهم المثال الذي اخترناه : "أما ما تضمنته الوثائق (في اتفاق بني غازي) من ان ذلك الاتحاد سيكون خطوة الى الوحدة الشاملة فلا شك انه يعبر عن نوايا الرؤساء ولكن المستقبل لا يتوقف عن النوايا . ولسنا نشك في ان مجرد الاصرار على تنفيذ هذه النوايا سيكون مدخلاً واقعياً يكتشف من خلاله كل من يعنيه الأمر ان تحول الاتحاد الى وحدة شاملة يتطلب فوق كل شيء قيام الحزب القومي الذي قلنا انه الاداة الوحيدة المناسبة لتحقيق الوحدة الاشتراكية الديموقراطية "الشاملة" .... انها خلاصة تجربة الوحدة والانفصال بين مصر وسورية . ولا شك في أن هذا كله كان حاضراً في اذهان رؤساء الدول الثلاث عندما اقروا في وثائق بني غازي بأن "الحركة العربية الواحدة" (وهو الاسم المتداول للدلالة على الحزب القومي) غير قائمة في اي دولة فيها ، وانه الى ان تقوم يمتنع على اية مؤسسة سياسية في أية دولة ان تنشط في الدول الأخرى (أي تبقى اقليمية) ثم تلتقي معاً في جبهة (مؤقتة) غايتها ان تهيئ المناخ الملائم لقيام الحركة العربية الواحدة . وهكذا لأول مرة في الوطن العربي تكسب الدعوة الى الحزب القومي شرعية دستورية في أكثر من دولة ، ويصبح قيامه مشروعاً وعندما تتحول هذه الشرعية الى واقع مشروع سيدخل التاريخ العربي مرحلة جديدة تماماً ، إذ تكون قد توافرت للشعب العربي لأول مرة اداته الجماهيرية المناسبة لتحقيق دولة الوحدة الاشتراكية الديموقراطية" .

ثم بعد هذا فإننا نجد أن العرض ينتهي بإضافة هي مفتاح المواقف كلها ، الموقف القومي الحركي والموقف من وجهة نظر قومية من المشاكل المطروحة وحلولها يتجاذبها نوعان من الاكراهات ، اكراهات الظروف الموضوعية ، واكراهات الأهداف القومية وهو ما يبرّر قبول الموقفين في نفس الوقت أحدهما تكتيكي ممكن والثاني استراتيجي مؤجل التنفيذ مثلما جاء في هذا التعقيب مباشرة بعد الاعتراضات : "اما نحن فنقول ان الدولة تحت حكم فصائل القوميين التقدميين تستطيع ان تحقق مالا حصر له من منجزات هي لبنات في بناء الوحدة الاشتراكية الديموقراطية ، اما ضمان ان تكون تلك المنجزات لبنات في البناء والمحافظة عليها وتنميتها وتحديد موقعها من البناء الشامل في الوطن العربي كله ، واكمال هذا البناء فلا يستطيعه الا حزب قومي يجمع كل القوميين التقدميين في الوطن العربي ويقود الجماهير العربية في كل المواقع ضد كل القوى الى ان يقيم دولة الوحدة الاشتراكية الديموقراطية " .. 

وكل هذه المواقف يحضر فيها الموقف القومي لكنها أقل بكثير من الموقف من وجهة نظر قومية ، والدليل ايضا ان هذا الاخير حضر - كشرط - في نهاية الفقرة السابقة ..

ولعل اللافت للانتباه في هذا الموضوع هو اهتمام الدكتور بهذا الحدث حيث نجده يتطرق اليه ايضا في كتاب "الطريق" وفي كتاب "اعدام السجان" ، حتى انه قام بإبراز الكثير من العواطف - في هذا المرجع الاخير - تجاه قادة المبادرة حين قال لمخاطبه في الرسالة التاسعة من باب الرسائل : " وأقرأ في زنزانتي خبر انتصار افكاري ، قيادة موحدة يختارها الرئيسان أنور السادات ومعمر القذافي لتجتمع يوم 3 سبتمبر لتصوغ الوحدة عن طريق لجان تابعة لها خلال عام . لعلك تكون واحدا منهم . عندما يجتمع هؤلاء الاخوة العرب -اسميهم هكذا في صيغتهم تلك - هل يمكن لأي واحد منهم أن يقول أنه عضو في القيادة الموحدة أو لجانها بناء على القانون رقم كذا في دولته .." ... ثم يمضي في المحاججة ، اذ ان الفكرة كلها تقوم على مفارقة عجيبة بالنسبة للدكتور عصمت سيف الدولة ، وهي أن التهمة التي يقبع بسببها في السجن ، يجتمع بسببها أيضا قادة الدولتين في بني غازي من أجل تحقيقها ، وكلاهما (عصمت سيف الدولة والقادة) يسعى اليها بطريقته .. لذلك يمضي في طرح الأسئلة حول مشروعية الاتفاق في علاقة بقوانين الدولتين مستخلصا ان مشروعيته الوحيدة هي وحدة الامة العربية والثورة على تجزئتها ... وانها اذن محاولة التحام خارج نطاق الدولة ... وهو في النهاية ما يدعو اليه .. ويتمنى تحقيقه ، مما جعله يتوجه لمن يخاطبه بالنصيحة التالية : " ان قيض لك ان تكون واحدا من صانعي الوحدة بين مصر وليبيا ، فليكن ربع جهدك من أجل الإجابة عن السؤال : كيف تكون الوحدة . ولتكن ثلاثة أرباع جهدك من أجل الإجابة عن السؤال : كيف لا يقع الانفصال . " ..

كما وجدناه يشير الى اتفاق الوحدة في كتابه "حوار مع الشباب العربي" حين تحدث عن قرار مجلس الثورة الصادر في 3 أبريل 1975 بتعديل النظام الأساسي للاتحاد الاشتراكي - متمنيا - لو أن القرار جاء متضمنا بندا يعفي الاتحاد الاشتراكي في الجمهورية العربية الليبية من مهمة إنشاء التنظيم القومي على غرار ما جاء في اتفاق بني غازي ، مشيدا بتلك المادة قائلا : "ان غاية التنظيم كما حددتها المادة الثالثة تضمنت .. "حماية" الحرية و"إقامة" الاشتراكية و"الدعوة" الى الوحدة . فيما يختص بالوحدة هو الذي يستحق الانتباه ..

بعد الانتباه يأتي التأمل وبعد التأمل يستطيع أبو ذر أن يقول : يعجب كل قومي تقدمي ويسعده قبل كل شيء ما نص عليه النظام من أن غاية التنظيم فيما يتعلق بالوحدة هي الدعوة اليها . لا تحقيقها . انه نص علمي وواقعي معا . فوراءه لا شك وعي ملاءمة كل أداة لغايتها . ولما كان الاتحاد الاشتراكي العربي هو تنظيم للشعب في الجمهورية العربية الليبية فان تحميله مسؤولية غايات تتجاوز مقدرته كأداة لا يعني سوى ترشيحه للفشل .. وبهذا يزول أول تناقض بين التنظيم في إقليم وبين التنظيم القومي الذي هو أداة لا بد منها لتحقيق الوحدة . يستطيع الأول أن يدعو ويحضر فكريا ودعائيا للوحدة ويبقى الإنجاز منوطا بالثاني . انهما غير متوازيين وغير متناقضين فلا يعني تنظيم الشعب العربي في الجمهورية العربية الليبية في الاتحاد الاشتراكي العربي أنه قد استغنى بتنظيمه عن المشاركة في التنظيم القومي عندما يقوم . ولقد كان أبو ذر يتمنى لو أن النظام الذي صدر قد تضمن مادة إضافية تؤكد هذا المعنى كتلك المادة 62 من دستور دولة الاتحاد التي نصت على التزام  التنظيمات السياسية في الأقاليم تهيئة المناخ لإقامة الحركة العربية الواحدة بما يعنيه هذا من اعتبار ذاتها منظمات "مؤقتة" الى أن تقوم الحركة العربية الواحدة ، ليستقر في وجدان الشعب العربي أن كل تنظيم له في ظل التجزئة وحدودها هو تنظيم "ضرورة" مؤقتة لا بد له من أن ينتهي عندما يستطيع الشعب العربي أن يطوّع ظروفه لقيام تنظيمه القومي ." .. وهو موقف نستطيع أن نفهمه أيضا في سياق التأكيد لأفكار سابقة ، فهو - من ناحية أولى - لا ينفي إمكانية وجود تنظيمات شعبية إقليمية مهما كان نوعها (منظمات ، أحزاب ، جمعيات ..) تسبق في وجودها وجود التنظيم القومي ، ويرفع عنها الحرج والإدانة - من ناحية ثانية - حين تلتزم بحدود الدور الذي تؤديه من موقع الضرورة كما جاء في هذه الفقرة ..

وزيادة على هذا ، فان الدكتور يعود الى الاتفاق من زاوية مغايرة في مقال بعنوان "انتحار أنور" في سياق حديثه عن التجاوزات الدستورية التي أقدم عليها السادات ومن ضمنها بنود الدستور الاتحادي قال فيه : " باختصار شديد انتهك أنور السادات كل ما التزم به دستورياً وسياسياً وخالف كل القوانين التي اختارها بنفسه ليحكم ويحاكم بمقتضاها  ... لقد كان أنور السادات قد تعهد بالالتزام :

1- بدستور اتحاد الجمهوريات العربية المتحدة .

2- أنه لا صلح ولا تفاوض ولا تنازل عن أي شبر من الأراضي العربية المحتلة .

3- أنه لا تفريط في القضية الفلسطينية ولا مساومة عليها " ..

ثم أضاف : " صدر دستور 1971 يوم 11 سبتمبر 1971 عن طريق الاستفتاء الشعبي . قبل ذلك بعشرة أيام أي في يوم 1 سبتمبر 1971 . استفتى أنور السادات الشعب العربي في مصر على دستور آخر اشترك فيه مع سوريا وليبيا في إنشاء اتحاد الجمهوريات العربية .. ونص هذا الدستور على أنه أسمى من أي دستور يصدره أي قطر من أقطار الاتحاد . أهم من هذا وأخطر أن الدستور الاتحادي الذي وقع على وثائقه أنور السادات واستفتى فيه الشعب وأصدره قبل أن يصدر دستوره الدائم تضمن ما أسماه الدستور الاتحادي وحدة الأمة العربية بينما عاد السادات في دستوره الدائم من الأمة إلى القبائل إلى القرى ، فأصبح من "أخلاق القرية" قبول " كبير العائلة ، حاكماً وحكماً لا يسأل عما يفعل وأهل القرى يسألون ، ويملك هو كل ما يملكون ونموذجه الأسبق في تاريخ مصر هو فرعون .. فلقب "فرعون" الذي يعرف به حكام مصر القدامى ، يعني على وجه التحديد ، صاحب البيت الكبير .. أي مالك القطر كله"  ..

... وأكثر من هذا كله ، فانه يعود مرة أخرى ، ومن نفس الزاوية القانونية والدستورية ، للحديث في موضوع اتفاق بني غازي في مقال له بعنوان "السادات .. الله يرحمه" نشر بكتاب الأهالي العدد 16 في شهر أكتوبر 1987 وقد كتبه بتاريخ 13 أكتوبر 1982 ، يعدد فيه الأمثلة المتعلقة بالتجاوزات والخروقات الدستورية من طرف السادات في ظل دستور الجمهوريات المتحدة القائم الذات وعلى رأسها معاهدة الصلح مع إسرائيل وقد كانت مصر محكومة بدستورين ، الدستور الأصلي والدستور الجديد ، حيث نجده يتطرق الى هذا الموضوع تحت عنوان فرعي " دستور يحرّم الصلح مع إسرائيل " احتجاجا على المعاهدة جاء فيه : " ولعل أكثر الأمثلة وضوحا موقفه من دستور 1 سبتمبر 1971 . لقد اشترك هو شخصيا في صياغة أحكامه مع شركائه وحلفائه في ذلك الحين : حاكم سوريا وحاكم ليبيا . وأحاطه بهالة من التقديس الى درجة اعتباره ثمرة انتصاره على من أسماهم مراكز القوى . ورفعه درجة على أي دستور يصدر في مصر فضمّنه نصا يلزم مصر - حين وضع دستوره - بالّا تضمّنه ما يتعارض مع هذا الدستور . ثم استفتى فيه الشعب فوافق عليه بما يقارب الإجماع . تعثر هذا الدستور ثم تعطل ثم توقف العمل به نهائيا لأسباب لا يسأل عنها السادات وحده . ولكن لما كانت الدساتير تظل قائمة وملزمة ومقياسا للشرعية الى أن تلغى بالطريقة التي نصّت عليها فان هذا الدستور ما يزال قائما في مصر . أقول في مصر لأننا لا نهتم بموقف ليبيا أو سوريا من المشكلة الدستورية وإنما الذي يهمنا الالتزام بدستور اختاره الشعب العربي في مصر وعدم تجاهله . وفي مصر لو عرض أمر دستور 1 سبتمبر 1971 على اية محكمة دستورية لطبقته وأبطلت كل تصرف أو قانون صدر على خلاف أحكامه . هذا الدستور المكوّن من وثيقتين جرى الاستفتاء عليهما معا يتضمن نصا صريحا قاطعا يحرّم على أي من الدول الثلاث الصلح مع إسرائيل أو التفاوض معها أو التنازل لها عن أي شبر من الأرض العربية . جاء هذا النص تحت عنوان (الأحكام الأساسية) "..

وفي هذا المثال بالذات الذي يخصص فيه الدكتور عصمت سيف الدولة احتجاجه الصريح على مصر وحدها في مسألة تجمع ثلاث دول عربية ، يتبين بوضوح خلفية الموقف الذي يغيب فيه تماما الموقف من وجهة نظر قومية باعتبار أنه يناقش مسألة "داخلية" خاصة بالسادات وأسلوبه في الحكم .. ثم اننا - حينما نعود لمراجع أخرى ذات صلة بالموضوع - نفهم منها أن أسلوب التخصيص لا يعني بالمرة أنه قائم على نظرة اقليمية ضيقة بقدر ما هو تخصيص لازم لتدقيق النظر في موضوع لا يسمح فيه المقام بالتوسع في جوانبه المتشعبة ، وفي نفس الوقت هو قائم على خلفية وجدناها عند الدكتور عصمت سيف الدولة تتصل بفهمه للعلاقة الموضوعية بين الكل والأجزاء ، عبر عنها صراحة في المرافعة القانونية الموجهة لمجلس الشعب والواردة بكتاب هذه المعاهدة وهو يتحدث عن موضوع الصلح الخاص بمصر ، وقد جاء فيه ما يؤيد الناحيتين المذكورتين (التخصيص والعلاقة) حين قال : " ومن أجل هذا (يتحدث عن التضحيات العربية)  نريد أن نقطع طريق الالتفاف حول حقيقة اتفاق 26 مارس 1979 ، ونتجنب كل دعاوي قيلت تأييدا للاتفاق أو نقدا له ، قد تنطوي على قدر من الصدق المجرد الذي يتلاشى بمجرد انتسابه الى واقع اجتماعي معين في زمان معين . نريد أن نحصر انتباهنا ، ونقصر حوارنا ، على ما أفاد أو أضر مصر على وجه التحديد . حتى فلسطين ، حتى الدول العربية ، حتى الأمة العربية ، سنقيس ما يكون قد أصابها من ضرر أو نفع أو نُقيّمه طبقا لآثاره الفعلية على مصر . واذا كنا سنكتشف أن ما يضر الأمة العربية يضر مصر وما ينفع الأمة العربية ينفع مصر وأن العكس صحيح ، فلن يكون ذلك الا تأكيدا لوحدة الانتماء القومي التي صاغها دستور مصر في مادته الأولى " الشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل على تحقيق وحدتها" .

وفي الأخير ، فان ما يؤكد اهتمام الدكتور بتلك الخطوة الاتحادية لهذا الاتفاق الذي بدأ منذ زيارة عبد الناصر الى ليبيا أواخر عام 1969 ليس فقط تكرار الحديث فيه ، بل أيضا انشغاله بالموضوع مؤيدا تلك الخطوة حتى بعد وفاة عبد الناصر وقبل إمضاء الاتفاق سنة 1971 .. حيث وجدناه يثير الموضوع بكل جدية في محاضرته الشهيرة " تنظيم قومي من أجل الوحدة الاشتراكية " (جامعة القاهرة ـ بتاريخ  8 / 1 / 1971) الى حد اعتباره خطوة على طريق التنظيم القومي متقدما بالنصائح للرؤساء الثلاثة منذ 1970 ، مذكرا بشروطه المبدئية في قبول أي خطوة وحدوية تأتي من جانبهم كرؤساء لدول اقليمية حين قال : "غير أن الظروف العربية التي أشرنا إلى بعضها قد طرحت على دعاة التنظيم القومي التقدمي مسؤولية مواجهة الإلحاح المشروع الذي أصبح طابع السؤال : كيف يقوم التنظيم القومي ؟ وكان لا بد من التوفيق بين ضرورة الإجابة ، ومسؤولية إبقاء الحوار في مستواه الفكري معاً . فقدمّنا شطراً من الإجابة في تعليق حول إعلان العمل من أجل "اتحاد عربي ثلاثي" .. نشر في مجلة الكاتب العدد 117 ديسمبر 1970 .. قلنا فيه  :

إن ما يخص الرؤساء الثلاثة منه ، هو على وجه التحديد  :

أولاً ـ ألا يحاولوا إنشاء التنظيم القومي وهم في مواقع السلطة من دولهم حتى لا يأتي جهازاً من أجهزة الدولة مشدوداً بقيودها الدولية ، والدستورية ، فلا يقدر على ما لا تستطيع هي أن تقدر عليه .

ثانياً ـ أن يكفوّا الدول التي يحكمونها عن تعويق إنشائه ، ثم يتركوا للقوى القومية التقدمية في الوطن العربي أن تواجه مسؤولياتها بعد أن واجهوا هم مسؤولياتهم " .  

وكل هذه المواقف التي تعامل بها الدكتور عصمت سيف الدولة مع الوقائع والأحداث الجارية  يحكمها الموقف القومي ، المتميز بالمرونة التامة مع الأحداث في غياب التنظيم صاحب الاختصاص الوحيد في اتخاذ المواقف الحاسمة التي يواجه بها كل المستجدّات من منطلقه القومي وإستراتيجيته القومية .. وقد عبر عن ذلك بعد الفقرة السابقة مباشرة ، معتبرا أن نصيحته السابقة سلبية ، لكن المصلحة القومية تفرض على كل من يحرص عليها أن يقف في حدود الدور الموكول إليه ، وأن دوره في هذا - كمفكر - لا يمكن أن يتجاوز الاجتهاد الفكري حين قال : " إجابة سلبية . نعم . ولكنها في رأينا إجابة على سؤال شائك كان مطروحاً دائماً في الحوار حول الإجابة الإيجابية . بقي أن تعرف القوي القومية التقدمية كيف توفي بمسؤولياتها . فإذا لم تستطع ، فإنها  برغم كل ادعاء  تكون غير ناضجة بالقدر الكافي لتحمّل تلك المسؤولية . ويكون من خير الأمة العربية ، ألا تستطيع قوى غير ناضجة ، إقامة تنظيم تجهض به مولد التنظيم القومي المنتظر . .

وإلى أن تعرف ، فتستطيع … لا نستطيع من جانبنا إلا أن نتقدم إليها ، ببعض الاجتهادات الفكرية التي نأمل أن تساعدها على معرفة الطريق إلى غايتها العظيمة " .. وهي اجتهادات تهم الخصائص العامة للتنظيم ذكرها وكرّرها أيضا في عديد المناسبات والمراجع .. ولعلنا في هذا السياق ، واستكمالا للحديث ، وإنصافا لصاحبه ، نذكر له قولا حاسما من هذا الاتفاق وجدناه في مواضع الحسم وبالتحديد في التقديم الوارد بكتاب الطريق طبعة دار المسيرة عام 1979 قال فيه : ".. بعد وفاة الزعيم الراحل اقتربت مصر وسورية وليبيا والسودان خطوات من هدف الوحدة . تراجعت عنها حكومة السودان وأعلن بعدها قيام دولة الاتحاد الثلاثي "مصر – سوريا – ليبيا" . وقيل في وثائق الاتحاد أنه خطوة في سبيل الوحدة يتطوّر بعدها الى أن تصبح الدول الثلاث دولة واحدة . وفي نطاق الاتحاد أنجزت حكومة مصر وحكومة ليبيا كل الدراسات والوثائق اللازمة للوحدة بينهما وكادت تلك الوحدة أن تتم الى درجة أنه ليس معروفا على وجه محدّد لماذا لم تتم . المهم أن كل تلك المحاولات "الحكوميّة" قد فشلت . وثبت مرة أخرى ما تردّد في تلك الدراسات التي يعاد نشرها الان من أن الوحدة لا يمكن أن تتم ، بل يستحيل أن تتم ، اتفاقا بين الحكومات وفي غيبة التنظيم القومي التقدمي القادر على فرضها – بالوسائل المناسبة – على الحكومات في الدول الإقليمية" ..  وهو ما يؤكد أن كل استشهاداته اللاحقة بالدستور الاتحادي في عهد السادات وبعده إنما تأتي في إطار المعارك التي خاضها وبالأسلوب الذي اعتمده لمواجهة سياسات التطبيع والاعتراف بالعدو خاصة في مرافعاته القانونية وقد أصبح ذلك الاتفاق دليل فشل ولم يعد يستحق الذكر الا بالقدر الذي يفيد في تلك المعارك المصيرية ومنها – في الحد الأدنى – فضح تلك السياسات وتقديم الموقف الصحيح الذي سيبقى ثابتا على مر الأجيال .. وهو دليل اخر على المرونة في أسلوب التعامل مع الواقع سعيا لتحقيق الممكن المتاح دون الاستهانة بأي مجهود يبذل في خدمة القضايا القومية المصيرية وهي تحتاج الى مراكمة نضالية طويلة وشاقة ..

(القدس - م .ع / فيفري 2018). 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق