القدس عنوانها وفلسطين بوصلتها

القدس عنوانها وفلسطين بوصلتها
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

تقديم

روابط الأجزاء :

تـقديــــم / الجـــزء 1 / الجـــزء 2 

الجــزء 3 / الجــزء 4 / الجــزء 5  

الجــزء 6 / الجــزء 7 / الجــزء 8 

الجـزء 9 / الجـزء 10 / الجزء 11 

الجـزء 12 /الجزء 13 الجزء 14

الجـزء 15 / الجزء 16 الجزء 17

الجزء 18 / الخاتمة / المحتوى كامل  

فرز واحد ... أم فرز متعدّد ... ؟

دراسة في أقوال ومواقف الدكتور عصمت سيف الدولة .

تقديم

لا شك ان المتابع للجدل الدائر داخل العائلة القومية حول الإحداث والمتغيرات في الواقع العربي يلاحظ غياب الاتفاق حول الأولويات والخيارات المطروحة رغم وجود الفهم المشترك لعقدة المرحلة وهو ما يسبب هذه المواقف المتباينة والموجات المتصاعدة من المعارك الكلامية المستعرة  في أغلب الأحيان .. 

وتلك العقدة هي أننا امة مجزأة يطمح أبناؤها للتحرر والوحدة دون آداة نضالية موحدة قوميا تتجاوز دائرة الفعل الإقليمي في كل قطر ، وتتضافر فيها كل الجهود والإمكانيات القومية البشرية والمادية لبناء المستقبل المستحق .. وهو ما يجعل القوى القومية خارج المشهد الذي تتحكم فيه قوى أخرى فاعلة في الواقع  منها الأطراف النظامية في السلطة القطرية ، ومنها الأطراف الخارجية متعددة الأهداف والأطماع والمصالح  ، ومنها حتى بعض حركات المقاومة وأحزابها التي استطاعت بأسلوبها القتالي افتكاك موطئ قدم داخل ساحة الصراع في الوطن العربي للمناورة وفرض شروطها على جميع الأطراف الأخرى .. وفي مثل هذا الوضع تجد قوى التحرر القومي نفسها - وهي في حالة العجز - مجبرة للبحث عن قوى فاعلة تؤيدها او تؤيد الاطراف المحلية المتحالفة معها ، الا انها لا تجد من بينها من يرتقي كليا الى مستوى طموحاتها ، فلا تتفق حولها جميعا .. ويزداد الخلاف تعقيدا بتعدد القوى المتدخلة والمتحالفة ، ثم يستمر باستمرار المشكلات والتدخلات والتحالفات ..

واننا في مثل هذا الوضع لا نملك سوى التساؤل باستغراب : هل الحل في إدانة التحالفات حين تكون دون مستوى طموحاتنا .. او في استمرار إدانة المواقف منها حين نكون عاجزين عن تغييرها ونحن نعيش  خارج المشهد ..؟ أم في معالجة الخلل الذاتي الذي يسبب هذا العجز  وصولا بالممارسة الى مستوى التحديات المطروحة ، بحيث لن نكون - بعد ذلك - في حاجة الى لوم الآخرين حينما يكونون في صفنا او ضدنا ، او حينما لا ترتقي مواقفهم ـ من موقع  العجز او من موقع المصلحة - الى مستوى الطموحات المطلوبة ..  وحتى نصل بإمكانياتنا الى موقع الفعل والتأثير والقيادة ، بمثل ما كانت تحظى به مصر وقيادتها التاريخية لثورة 23 يوليو 1952 .. ؟

وهل يُحل المشكل بالصراع حول هذه المواقف في الفضاءات المفتوحة ، بكل ما يترتب عنها من سلوك يترجمه البعض الى إجراء عملي يسمونه " الفرز " .. حيث تصبح مقولة الفرز قائمة عند البعض على  أساس الموقف من إيران او من حلفائها او من هذا النظام العربي او ذاك وعلاقتهم بالأحداث الظرفية الجارية والمتغيرة .. ؟

للأسف هذا هو الواقع .. وقد وصل الأمر الى أقصى درجات التمييع لهذه العبارة بحيث أصبح استعمالها بلا معنى ، فقد شاهدنا اخر الحالات استهجانا لمقولة الفرز ما رأيناه يرتبط مؤخرا (نهاية 2017) بالسجال بين القوميين حول الاحتجاجات الشعبية في ايران بين مؤيد ومعارض ، بكل ما يتبع ذلك من تلاسن يصل أحيانا الى حد التخوين والاتهام بالعمالة لإيران ، وكلاهما يبني تحليلاته وتوقعاته بناء على مواقف سابقة من الصراع الدائر في مواقع كثيرة من الوطن العربي ، بما لها من ارتباطات سابقة ايضا بالأحداث الجارية في كل موقع  .. والحال ان هذه الاحداث لا تزال في بدايتها ، فلا يزال الحكم على ما يجري هناك سابقا لأوانه ، وقد ينتهي حتى قبل ان تتجلّى الصورة بالكامل للمتابعين والمحلّلين ، وعلى خلاف ما تروجه بعض المصادر الاعلامية ..  لذلك كان يبدو واضحا منذ البداية ان القول بان ايران تشهد ثورة شعبية ستعصف بالنظام مجانب للحقيقة  .. وان من ذهب بخياله ابعد من ذلك معتقدا امكانية ان يقع لإيران ما وقع لسوريا او ليبيا فهو بعيد كل البعد عن الواقع .. حيث لا مجال للمقارنة بين الواقع الايراني وواقع الدول العربية  لعدة اساب منها بالأساس : 

- ان ايران دولة قومية تحكمها سلطة مركزية قوية ، محاطة بحاضنة شعبية ممتدة تحمل وعيا قوميا متقدما على مثيلاتها في  الدول العربية ..

- وان "الاسلام السياسي" الايراني ـ كما "الاسلام السياسي" التركي ـ هو قومي الولاء لإيران ـ كما الاخر لتركيا - على خلاف "الاسلام السياسي" العربي العميل للخارج ..

لذلك فان مثل هذه الدول  يمكن ان تشهد احتجاجات وغضب شعبي بسبب الظروف المعيشية ، لكن غالبية الشعب في ايران لن ينجر الى اسلوب التدمير الذاتي الذي تسعى الاطراف الخارجية لتغذيته كما حصل في الدول العربية .. وقد رأينا كيف تصرفت فئات كثيرة من الشعب التركي ضد الانقلاب رغم الخروقات التي حصلت ضد كل المشبوهين ..

قبل ذلك كانت واقعة اغتيال المرحوم علي عبد الله صالح محطة أخرى من محطات " الفرز " على الفضاء الافتراضي عند البعض  .. حيث يظهر التشنج بين القوميين  مع كل جديد في الوطن العربي له علاقة بإيران او بحلفائها .. وقبلها حول مواقف من داخل المعارضة الحزبية على الساحة السياسية في تونس كما في مصر بعد 30 يونيو ، في علاقة بأسلوب التعامل مع الحكومات والانظمة .. وقبلها وحتى اليوم حول الاحداث في سوريا ... الخ ...

ورغم ان الاختلاف حول قراءة الاحداث أمر عادي ولا يثير اي استغراب حينما يكون تلقائيا ومقترنا بالحوار ، لأنه في النهاية يطفو على السطح ثم يتبخر مع تغير الاحداث .. الا ان تكرر استعمال هذه المقولة وكثرة تداولها بين منتمين لتيار معين دون غيره ، وبمشاركة " رموز" معروفين احيانا من رموز هذا التيار على الفضاء الافتراضي ، ثم توظيف هذا الاستعمال من طرف البعض في تصفية حسابات مبنية اساسا على مواقف سابقة من اطراف ومجموعات وقيادات واحزاب بعينها ، سرعان ما ينتهي  بالاتهامات والتخوين والتجريح .. مما يحوّل الحالة المتكررة الى ظاهرة مرضية أضرارها على مستقبل العائلة القومية اكثر مما يظهر فيها من ايجابيات النقد والاختلاف والجدل ...

ما يهمنا من هذه الظاهرة هو انعكاساتها السلبية حينما يصبح استعمال كلمة الفرز خارج السياق ، فتتحول الى معول للهدم على غير وجه حق لعدة أسباب ..

- أولا ان السعي لفرز القوى لا يكون في الفضاءات المفتوحة بين متحاورين افتراضيين لا تربطهم في الواقع أي صلة ، بل يفترض أن يكون على أساس العمل الميداني والحوار والجدل الهادف في ندوات ولقاءات مباشرة ، بغرض تقريب وجهات النظر وتطوير أساليب العمل بمنهجية علمية وبقدر كبير من الحكمة والمسؤولية القومية ، وليس العكس .. 

- ثانيا ان الفرز الحقيقي ـ بين أصحاب الفكر الواحد - يكون على قاعدة الثوابت وليس في التفاصيل والاجتهادات المتعلقة بالمتغيرات التي لا نملك في الغالب الماما كافيا بحيثياتها في بداية وقوعها فيحصل الاختلاف .. 

- ثالثا ان الفرز البناء لا يكون بإدانة الاجتهاد الخاطئ الذي يمكن ان يصحّحه الجدل الاجتماعي بدل التشهير به عن طريق المواقف الفردية .

- رابعا اذا كان البعض يعتمد على " القسوة " كأسلوب للفرز "اقتداء" بأسلوب "السفود" عند الدكتور عصمت سيف الدولة ، فان الفرز بهذه المفاهيم المتداولة ابعد ما يكون عن ذلك الأسلوب .. 

- خامسا اذا كان المقصود من الفرز - على المدى الطويل - هو بناء الحركة العربية الواحدة ، فانه يتم على أساس الموقف من الهدف الاستراتيجي : دولة الوحدة الديمقراطية الاشتراكية . اي بين التقدميين والرجعيين ، وليس بين أصحاب الفكر الواحد والهدف الواحد حول ما يشهده الواقع من أحداث ومتغيرات ..  

ولكن ماذا يعني الفرز على أساس المتغير من الأحداث .. ؟ 

معناه أولا ، ان وراء كل عملية فرز ستظهر عملية فرز جديدة تحوّل الفرز الواحد ، بين أنصار دولة الوحدة وأعدائها ، الى فرز متعدد ومتجدد مع كل جديد ، بين أنصار نفس المشروع .. 

ومعناه ثانيا ان مثل هذا الفرز سيؤدي الى ظهور شكل جديد من أشكال التجزئة على مستوى الدعوة لقيام التنظيم القومي ، ظاهرها انتصار الكل لنفس المشروع وباطنها مشاريع تجزئة "دعوية" تبعا لموقف كل مجموعة من الإحداث بكل ما فيها من تكتلات وتحالفات واصطفافات ، وبعض مظاهرها وتداعياتها موجودة في الواقع الآن (فيفري 2018) .. 

فالبعض يتكلم عن التنظيم القومي وهم يقصدون تنظيما يجمع مناهضي النظام السوري وإيران وحزب الله معتبرين غيرهم منحرفين وخارجين عن الصف القومي .. 

والبعض الآخر يتكلم عن نفس التنظيم وهم يقصدون تنظيما يجمع مؤيدي هذا الحلف ، مع نفس الموقف  الذي يتبناه الفريق الأول من مخالفيهم .. وهكذا قياسا على كل الاختلافات الحاصلة .. كل تعدد في الأسس التي يقوم عليها الفرز ، يتبعه تعدد في المقاصد والمفاهيم التي تقوم عليها الدعوة للتنظيم القومي ، وصولا الى تعدد القوى التي تمثله ... فلا يُستغرب ان يكون في اذهان البعض تصورات مماثلة لقيام :

- تنظيم يجمع مؤيدي النظام الحالي في مصر وحلفائه على خلفية تصديه للاخوان وتنظيم يجمع معارضيهم ..

- تنظيم يجمع مؤيدي العمل الحزبي الاقليمي على خلفية المقولة " من الممكن الى ما  يجب أن يكون " وتنظيم يجمع رافضيه ..

والبقية تأتي مع الأحداث والمتغيرات ... فلا يتردد هذا الفريق او ذاك في التشهير بالآخرين تحت عناوين ومسميات كثيرا ما تستعمل بحسب التوظيف الذي يتبعه كل فريق من خلال فهمه للأولويات .. ما يجعلهم عاجزين - ولو على مستوى الموقف - على مواجهة الواقع وقواه الفاعلة بما لها من امتدادات واصطفافات معقدة لا يملكون لها حولا ولا قوة ... !! والكل يستشهد بمواقف الدكتور عصمت سيف الدولة ، مردّدين نفس العبارات عند كل اختلاف : فلتفرز القوى !! .. وهو ما يحيلنا مباشرة لطرح سؤالين : ماذا كان يقصد صاحب المقولة حينما تحدّث عن فرز القوى ؟  .. وكيف تنجز هذه المهمّة عنده ..؟

(القدس - م .ع / فيفري 2018). 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق